والإحصاء حقيقته : معرفة عدد شيء معدود مشتق من اسم الحصى جمع حصاة لأنهم كانوا إذا عدوا شيئا كثيرا جعلوا لكل واحد حصاة وهو هنا مستعار للإطاقة . شبهت الأفعال الكثيرة من ركوع وسجود وقراءة في قيام الليل بالأشياء المعدودة وبهذا فسر الحسن وسفيان ومنه قوله في الحديث " استقيموا ولن تحصوا " أي ولن تطيقوا تمام الاستقامة أي فخذوا منها بقدر الطاقة .
و ( أن ) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن محذوف وخبره الجملة وقد وقع الفصل بين ( أن ) وخبرها بحرف النفي لكون الخبر فعلا غير دعاء ولا جامد حسب المتبع في الاستعمال الفصيح .
و ( أن ) وجملتها سادة مسد مفعولي علم إذ تقديره علم عدم إحصائكموه واقعا .
وفرع على ذلك ( فتاب عليكم ) وفعل ( تاب ) مستعار لعدم المؤاخذة قبل حصول التقصير لأن التقصير متوقع فشابه الحاصل فعبر عن عدم التكليف بما يتوقع التقصير فيه بفعل ( تاب ) المفيد رفع المؤاخذة بالذنب بعد حصوله .
والوجه أن يكون الخطاب في قوله ( تحصوه ) وما بعده موجها إلى المسلمين الذين كانوا يقومون الليل : إما على طريقة الالتفات من الغيبة إلى الخطاب بعد قوله ( وطائفة من الذين معك ) وإما على طريقة العام المراد به الخصوص بقرينة أن النبي A لا يضن تعذر الإحصاء عليه وبقرينة قوله ( أن سيكون منكم مرضى ) الخ .
ومعنى ( فاقرأوا ما تيسر من القرآن ) فصلوا ما تيسر لكم ولما كانت الصلاة لا تخلوا عن قراءة القرآن اتبع ذلك بقوله هنا ( فاقرأوا ما تيسر من القرآن ) أي صلوا كقوله تعالى ( وقرآن الفجر ) أي صلاة الفجر وفي الكناية عن الصلاة بالقرآن جمع بين الترغيب في القيام والترغيب في تلاوة القرآن فيه بطريقة الإيجاز .
والمراد القرآن الذي كان نزل قبل هذه الآية المدنية وهو شيء كثير من القرآن المكي كله وشيء من المدني وليس مثل قوله في صدر السورة ( ورتل القرآن ترتيلا ) كما علمت هنالك .
وقوله ( ما تيسر من القرآن ) أي ما تيسر لكم من صلاة الليل فلا دلالة في هذه الآية على مقدار ما يجزئ من القراءة في الصلاة إذ ليس سياقها في هذا المهيع ولئن سلمنا فإن ما تيسر مجمل وقد بينة قول النبي A " لا صلاة بمن يقرأ بفاتحة الكتاب " وأما السورة مع الفاتحة فإنه لم يروا عنه أنه قرأ في الصلاة أقل من سورة وهو واجب عند جمهور الفقهاء فيكره أن يقرأ المصلي بعض سورة في الفريضة . ويجوز في القيام بالقرآن في الليل وفي قيام رمضان وعند الضرورة ففي الصحيح " أن النبي A كان يقرأ فأخته بحة فركع " أي في أثناء السورة .
وقال أو حنيفة وأحمد في رواية عنه : تجزئ قراءة آيه من القرآن ولو كانت قصيرة ومثلة الحنفية بقوله تعالى ( مدهامتان ) ولا تتعين فاتحة الكتاب وخالفه صاحباه في الأمرين .
وتعيين من تجنب له القراءة من منفرد وإمام ومأموم مبين في كتب الفقه .
وفعل ( تاب ) إذا أريد به قبول توبة التائب عدي بحرف ( على ) لتضمينه معنى من وإذا كان بمعنى الرجوع عن الذنب والذنب منه عدي بما يناسب .
وقد نسخت هذه الآية تحديد مدة قيام الليل بنصفه أو أزيد أو أقل ثلثه وأصحب التحديد بالمقدار المتيسر من غير ضبط أما حكم ذلك القيام فهو على ما تقدم شرحه .
( علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة وأقرضوا الله قرضا حسنا ) هذه الجملة بدل اشتمال من جملة ( علم أن لم تحصوه ) وهذا تخفيف آخر لأجل أحول أخرى اقتضت التخفيف .
A E وهذه حكمة أخرى لنسخ تحديد الوقت في قيام الليل وهي مراعاة أحوال طرأت على المسلمين من ضروب ما تدعو إليه حالة الجماعة الإسلامية . وذكر من ذلك ثلاثة أضرب هي أصول الأعذار : الضرب الأول : أعذار اختلال الصحة وقد شملها قوله ( أن سيكون مرضى ) .
الضرب الثاني : الأشغال التي تدعو إليها ضرورة العيش في تجارة وصناعة وحراثة وغير ذلك وقد أشار إليها قوله ( وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ) . وفضل الله هو الرزق