و ( أدنى ) أصله أقرب من الدنو استعير للأقل لأن المسافة التي بين الشيء والأدنى منه قليلة وكذلك يستعار الأبعد للأكثر .
وهو منصوب على الظرفية لفعل ( تقوم ) أي تقوم في زمان يقدر أقل من ثلثي الليل وذلك ما يزيد على نصف الليل وهو ما اقتضاه قوله تعالى ( أو زد عليه ) .
وقرأ الجمهور ( ثلثي ) بضم اللام على الأصل . وقرأه هشام عن ابن عامر بسكون اللام على التخفيف لأنه عرض له بعض الثقل بسبب التثنية .
وقرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب ( ونصفه وثلثه ) بخفضهما عطفا على ( ثلثي الليل ) أي أدنا من نصفه وأدنى من ثلثه .
وقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي وخلف بنصب ( ونصفه وثلثه ) على أنهما منصوبان على المفعول ل ( تقوم ) أي تقوم ثلثي الليل وتقوم نصف الليل وتقوم ثلث الليل بحيث لا ينقص عن النصف وعن الثلث . وهذه أحوال مختلفة عن النبي A بالليل تابعة لاختلاف أحوال الليالي والأيام في طول بعضها وقصر بعض وكلها داخلة تحت التخيير الذي خيره الله في قوله ( قم الليل إلا قليلا ) إلى قوله ( أو زد عليه ) .
وبه تظهر مناسبة تعقيب هذه الجملة بالجملة المعترضة وهي جملة ( والله يقدر الليل والنهار ) أي قد علمها الله كلها وأنبأه بها . فلا يختلف المقصود باختلاف القراءات . فمن العجاب قول الفراء أن النصب أشبه بالصواب .
و ( طائفة ) عطف على اسم ( إن ) بالرفع وهو وجه جائز إذا كان بعد ذكر خبر ( إن ) لأنه يقدر رفعه حينئذ على الاستئناف كما في قوله تعالى ( إن الله بريء من المشركين ورسوله ) . وهو من اللطائف إذا كان اتصاف الاسم والمعطوف بالخبر مختلفا فإن بين قيام النبي A وقيام الطائفة التي معه تفاوتا في الحكم والمقدار وكذلك براءة الله من المشركين وبراءة رسوله . فإن الرسول A يدعوهم ويقرأ عليهم القرآن ويعاملهم وأما الله فغاضب عليهم ولاعنهم . وهذا وجه العدول عن أن يقول : إن الله يعلم أنكم تقومون . إلى قوله ( إنك تقوم ) ثم قوله ( وطائفة ) الخ .
ووصف ( طائفة ) بأنهم ( من الذين معك ) فإن كان المراد بالمعية المعية الحقيقية لأي المصاحبة في عمل مما سيق له الكلام أي المصاحبين لك في قيام الليل لم يكن في تفسيره تعيين لناس بأعيانهم ففي حديث عائشة في صحيح البخاري " أن رسول الله A صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله A فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم وذلك في رمضان " .
وإن كانت المعية معية مجازية وهي الانتساب والصحبة والموافقة فقد عددنا منهم : عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وسلمان الفارسي وأبا الدرداء وزينب بنت جحش وعبد الله بن عمر والحولاء بنت تويت الأسدية فهؤلاء ورد ذكرهم مفرقا في أحاديث التهجد من صحيح البخاري .
واعلم أن صدر هذه الآية إيماء إلى الثناء على النبي A في وفائه بقيام الليل حق الوفاء وعلى الطائفة الذين تابعوه في ذلك .
فالخبر بأن الله يعلم أنك تقوم مراد به الكناية عن الرضى عنه فيما فعلوا .
والمقصود : التمهيد لقوله ( علم أن لن تحصوه ) إلى آخر الآية .
ولأجل هذا الاعتبار أعيد فعل ( علم ) في جملة ( علم أن سيكون منكم مرضى ) الخ ولم يقل : وأن سيكون منكم مرضى بالعطف .
A E وجملة ( والله يقدر الليل والنهار ) معترضة بين جملتي ( إن ربك يعلم أنك تقوم ) وجملة ( علم أن لن تحصوه ) وقد علمت مناسبة اعتراضها آنفا .
وجملة ( علم أن لن تحصوه ) يجوز أن تكون خبرا ثانيا عن ( أن ) بعد الخبر في قوله ( يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ) الخ .
ويجوز أن تكون استئنافا بيانيا لما ينشأ عن جملة ( إن ربك يعلم أنك تقوم ) من ترقب السامع لمعرفة ما مهد له بتلك الجملة فبعد أن شكرهم على عملهم خفف عنهم منه .
والضمير المنصوب في ( تحصوه ) عائد إلى القيام المستفاد من ( أنك تقوم )