وضمير ( وعده ) عائد إلى ( يوما ) الموصوف وإضافة ( وعد ) إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله على التوسع أي الوعد به أي بوقوعه .
( إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا [ 19 ] ) تذييل أي تذكرة لمن يتذكر فإن كان من منكري البعث آمن به وإن كان مؤمنا استفاق من بعض الغفلة التي تعرض للمؤمن فاستدرك ما فاته وبهذا العموم الشامل لأحوال المتحدث عنهم وأحوال غيرهم كانت الجملة تذييلا .
والإشارة ب ( هذه ) إلى الآيات المتقدمة من قوله ( إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم ) .
وتأكيد الكلام بحرف التأكيد لأن المواجهين به ابتداء هم منكرون كون القرآن تذكرة وهدى فإنهم كذبوا بأنه من عند الله ووسموه بالسحر وبالأساطير وذلك من أقوالهم التي أرشد رسول الله A إلى الصبر عليها قال تعالى ( واصبر على ما يقولون ) .
والتذكرة : اسم لمصدر الذكر بضم الذال الذي هو خطورة الشيء في البال فالتذكرة : الموعظة لأنه تذكر الغافل عن سوء العواقب وهذا تنويه بآيات القرآن وتجديد للتحريض على التدبر فيه والتفكر على طريقة التعريض .
وفرع على هذا التحريض التعريضي تحريض صريح بقوله ( فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) أي من كان يريد أن يتخذ إلى ربه سبيلا فقد تهيأ له اتخاذ السبيل إلى الله بهذه التذكرة فلم تبق للمتغافل معذرة .
والإتيان بموصول ( من شاء ) من قبيل التحريض لأنه يقتضي أن هذا السبيل موصول إلى الخير فلا حائل يحول بين طالب الخير وبين سلوك هذا السبيل إلا مشيئته لأن قوله ( إن هذه تذكرة ) قرينة على ذلك . ومن هذا القبيل قوله تعالى ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) . فليس ذلك إباحة للإيمان والكفر ولكنه تحريض على الإيمان وما بعده تحذير من الكفر أي تبعة التفريط في ذلك على المفرط . ولذلك قال ابن عطية : ليس معناه إباحة الأمر وضده بل يتضمن معنى الوعد والوعيد .
وفي تفسير ابن عرفة الذي كان بعض شيوخنا يحملها على أنه مخير في تعيين السبيل فمتعلق التخيير عنده أن يبين سبيلا ما من السبل قال : وهو حسن فيبقى ظاهر الآية في حالة من التخيير اه .
وقد علمت مما قررناه أنه لا حاجة إليه وأن ليس في الآية شيء بمعنى التخيير .
وفي قوله ( إلى ربه ) تمثيل لحال طالب الفوز والهدى بحال السائر إلى ناصر أو كريم قد أري السبيل الذي يبلغه إلى مقصده فلم يبقى له ما يعوقه عن سلوكه .
( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) من هنا يبتدئ ما نزل من هذه السورة بالمدينة كما تقدم ذكره في أول السورة .
A E وصريح هذه الآية ينادي على أن النبي A كان يقوم من الليل قبل نزول الآية وأن طائفة من أصحابه كانوا يقومون عملا بالأمر الذي في أول السورة من قوله ( قم الليل إلا قليلا ) الآية فتعين أن هذه الآية نزلت للتخفيف عنهم جميعا لقوله فيها ( فتاب عليكم ) فهي ناسخة للأمر الذي في أول السورة .
واختلف السلف في وقت نزولها ومكانه وفي نسبة مقتضاها من مقتضى الآية التي قبلها . والمشهور الموثوق به أن صدر السورة نزل بمكة .
ولا يغتر بما رواه الطبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة مما يوهم أن صدر السورة نزل بالمدينة . ومثله ما روي عن النخعي في التزمل بمرط لعائشة