فكسر الهمزة على عطف الجملة على جملة ( أوحي إلي ) والتقدير : وقل أنه لما قام عبد الله يدعوه بأن همزة ( إن ) إذا وقعت في محكي في القول تكثر ولا يليق أن يجعل من حكاية مقالة الجن لأن ذلك قد انقضى وتباعد ونقل الكلام إلى أغراض أخرى ابتداء من قوله ( وأن المساجد لله ) .
وأما الفتح فعلى اعتباره معطوف على جملة ( إنه استمع نفر ) أي وأوحي إلي أنه لما قام عبد الله أي أوحى الله إلي اقتراب المشركين من أن يكونوا لبدا على عبد الله لما قام يدعو ربه .
وضمير ( إنه ) ضمير الشأن وجملة ( لما قام عبد الله ) إلى آخرها خبره .
وضمير ( كادوا يكونون ) عائدان إلى المشركين المنبئ عنهم المقام غيبة وخطابا ابتداء من قوله ( وأن لو استقاموا على الطريقة ) إلى قوله ( فلا تدعو مع الله أحدا ) .
و ( عبد الله ) هو محمد A وضع الاسم الظاهر موضع المضمر إذ مقتضى الظاهر أن يقال : وأنه لما قمت تدعو الله كادوا يكونون عليك أو لما قمت أدعو الله كادوا يكونون علي . ولكن عدل إلى الاسم الظاهر لقصد تكريم النبي A بوصف ( عبد الله ) لما في هذه الإضافة من التشريف مع وصف ( عبد ) كما تقدم غير مرة منها عند قوله ( سبحان الذي أسرى بعبده ) .
و ( لبدا ) بكسر اللام وفتح الموحدة اسم جمع : لبدة وهي ما تلبد بعضه على بعض ومنه لبدة الأسد للشعر المتراكم في رقبته .
والكلام على التشبيه أي كاد المشركون يكونون مثل اللبد متراصين مقتربين منه يستمعون قراءته ودعوته إلى توحيد الله . وهو التفاف غيض وغضب وهم بالأذى كما يقال : تألبوا عليه .
ومعنى ( قام ) : اجتهد في الدعوة إلى الله كقوله تعالى ( إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض ) في سورة الكهف وقال النابغة : .
بأن حصنا وحيا من بني أسد ... قاموا فقالوا حمانا من غير مقروب وقد تقدم عن قوله تعالى ( ويقيمون الصلاة ) في أول سورة البقرة .
ومعنى قيام النبي A إعلانه بالدعوة وظهور دعوته قال جزء بن كليب الفقعسي : .
فلا تبغينها يا بن كوز فإنه ... غذا الناس مذ قام النبي الجواريا أي قام يعبد الله وحده كما دل عليه بيانه بقوله بعده ( قال إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا ) فهم لما لم يعتادوا دعاء غير الأصنام تجمعوا لهذا الحدث العظيم عليهم وهو دعاء محمد A الله تعالى .
وجملة ( قل إنما أدعو ربي ولا أشرك بربي أحدا ) بيان لجملة ( يدعوه ) .
وقرأ الجمهور ( قال ) بصيغة المضي . وقرأه حمزة وعاصم وأبو جعفر ( قل ) بدون ألف على صيغة الأمر فتكون الجملة استئنافا . والتقدير : أوحي إلي أنه لما قام عبد الله إلى آخره قل إنما أدعو ربي فهو من تمام ما أوحي به إليه .
و ( إنما أدعو ربي ) يفيد قصرا إلى أدعو غيره أي لا أعبد غيره دونه .
وعطف عليه ( ولا أشرك به أحدا ) تأكيدا لمفهوم القصر وأصله أن لا يعطف فعطفه لمجرد التشريك للعناية باستقلاله بالإبلاغ .
A E ( قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا [ 21 ] قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا [ 22 ] إلا بلاغا من الله ورسالاته ) هذا استئناف ابتدائي وهو انتقال من ذكر ما أوحي به إلى النبي A إلى توجيه خطاب مستأنف إليه فبعد أن حكي في هذه السورة ما أوحى الله إلى رسوله A مما خفي عليه من الشؤون المتعلقة به من اتباع متابعين وإعراض معرضين انتقل إلى تلقينه ما يرد على الذين أظهروا له العناد والتورك .
ويجوز أن يكون ( قل ) إني لا أملك الخ تكريرا لجملة ( قل إنما أدعو ربي ) على قراءة حمزة وعاصم وأبي جعفر .
والضر : إشارة إلى ما يتوركون به من طلب إنجاز ما يتوعدهم بن من النصر عليهم .
وقوله ( ولا رشدا ) تتميم .
وفي الكلام احتباك لأن الضر يقابله النفع والرشد يقابله الضلال فالتقدير : لا أملك لكم ضرا ولا نفعا ولا ضلالا ولا رشدا .
والرشد بفتحتين : مصدر رشد والرشد بضم فسكون : الاسم وهو معرفة الصواب وقد تقدم قريبا في قوله ( يهدي إلى الرشد )