وخبر ( إنك ) مجموع الشرط مع جوابه الواقع بعد ( إن ) لأنه إذا اجتمع مبتدأ وشرط رجح الشرط على المبتدأ فأعطي الشرط الجواب ولم يعط المبتدأ خبرا لدلالة جملة الشرط وجوابه عليه .
وعلم نوح أنهم لا يلدون إلا فاجرا كفارا بأن أولادهم ينشأون فيهم فيلقنونهم دينهم ويصدون نوحا عن أن يرشدهم فحصل له علم بهذه القضية بدليل التجربة .
والمعنى : ولا يلدوا إلا من يصير فاجرا كفارا عند بلوغه سن العقل .
والفاجر : المتصف بالفجور وهو العمل الشديد الفساد .
والكفار : مبالغة في الموصوف بالكفر أي إلا من يجمع بين سوء الفعل وسوء الاعتقاد قال تعالى ( أولئك هم الكفرة الفجرة ) .
وفي كلام نوح دلالة على أن المصلحين يهتمون بإصلاح جيلهم الحاضر ولا يهملون تأسيس أسس إصلاح الأجيال الآتية إذ الأجيال كلها سواء في نظرهم الإصلاحي . وقد انتزع عمر بن الخطاب من قوله تعالى ( والذين جاءوا من بعدهم ) دليلا على إبقاء أرض سواد العراق غير مقسومة بين الجيش الذي فتح العراق وجعلها خراجا لأهلها قصدا لدوام الرزق منها لمن سيجيء من المسلمين .
( رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا [ 28 ] ) جعل الدعاء لنفسه ووالديه خاتمة مناجاته فابتدأ بنفسه ثم بأقرب الناس به وهما والداه ثم عمم أهله وذويه المؤمنين فدخل أولاده وبنوه والمؤمنات من أزواجهم وعبر عنهم بمن دخل بيته كناية عن سكناهم معه فالمراد بقوله ( دخل بيتي ) دخول مخصوص وهو الدخول المتكرر الملازم . ومنه سميت بطانة المرء دخيلته ودخلته ثم عمم المؤمنين والمؤمنات ثم عاد بالدعاء على الكفرة بأن يحرمهم الله النجاح وهو على حد قوله المتقدم ( ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ) .
والتبار : الهلاك والخسار فهو تخصيص للظالمين من قومه بسؤال استئصالهم بعد أن شملهم وغيرهم بعموم قوله ( لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) حرصا على سلامة المجتمع الإنساني من شوائب المفاسد وتطهيره من العناصر الخبيثة .
ووالداه : أبوه وأمه وقد ورد اسم أبيه في التوراة " لمك " وأما أمه فقد ذكر الثعلبي أن اسمها شمخى بنت آنوش .
وقرأ الجمهور ( بيتي ) بسكون ياء المتكلم . وقرأه حفص عن عاصم بتحريكها .
واستثناء ( إلا تبارا ) منقطع لأن التبار ليس من الزيادة المدعو بنفيها فإنه أراد لا تزدهم من الأموال والأولاد لأن في زيادة ذلك لهم قوة لهم على أذى المؤمنين . وهذا كقول موسى عليه السلام ( ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ) الآية . وهذا من تأكيد الشيء بما يشبه ضده كقوله ( فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ) .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة الجن .
A E سميت في كتب التفسير وفي المصاحف التي رأيناها ومنها لكوفي المكتوب بالقيروان في القرن الخامس ( سورة الجن ) . وكذلك ترجمها الترمذي في كتاب التفسير من جامعه وترجمها البخاري في كتاب التفسير ( سورة قل أوحي ألي ) .
واشتهر على ألسنة المكتبين والمتعلمين في الكتاتيب القرآنية باسم ( قل أوحي ) .
ولم يذكرها في الإتقان في عداد السور التي لها أكثر من اسم ووجه التسميتين ظاهر .
وهي مكية بالاتفاق .
ويظهر أنها نزلت في حدود سنة عشر من البعثة . ففي الصحيحين وجامع الترمذي من حديث ابن عباس أنه قال : انطلق رسول الله A في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ بنخلة وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر وأنه استمع فريق من الجن إلى قراءته فرجعوا إلى طائفتهم فقالوا ( إنا سمعنا قرآنا عجبا ) وأنزل اله على نبيه ( قل أوحي ألي أنه أستمع نفر من الجن ) .
وذكر ابن إسحاق أن نزول هذه السورة بعد سفر رسول الله A إلى الطائف يطلب النصرة من ثقيف أي وذلك يكون في سنة عشر بعد البعثة وسنة ثلاث قبل الهجرة .
وقد عدت السورة الأربعين في نزول السور نزلت بعد الأعراف وقبل يس .
واتفق أهل العدد على عد آيها ثمانا وعشرين .
أغراضها