وتعدية فعل ( ذر ) إلى ضميرهم من قبيل توجه الفعل إلى الذات . والمراد توجهه إلى بعض أحوالها التي لها اختصاص بذلك الفعل مثل قوله تعالى ( حرمت عليكم الميتة ) أي حرم عليكم أكلها وقوله ( وإن تجمعوا بين الأختين ) أي أن تجمعوهما معا في عصمة نكاح والاعتماد في هذا على قرينة السياق كما في الآيتين المذكورتين وقوله تعالى ( فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون ) في سورة الطور أو على ذكر ما يدل على حالة خاصة مثل قوله ( يخوضوا ويلعبوا ) في هذه الآية فقد يكون المقدر مختلفا كما في قوله تعالى ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ) إذ التقدير : فاجتنبوا شرب الخمر والتقامر بالميسر وعبادة الأنصاب والاستقسام بالأزلام .
A E وهذا الاستعمال هو المعنون في أصول الفقه بإضافة التحليل والتحريم إلى الأعيان أو إسناد التحريم والتحليل إلى الأعيان ولوضوح دلالة ذلك على المراد لم يعده جمهور علماء الأصول من قبيل المجمل خلافا للكرخي وبعض الشافعية .
وقد يتوسل من الأمر بالترك إلى الكناية عن التحقير وقلة الاكتراث كقول كبشة أخت عمرو بن معد يكرب تلهب أخاها عمرا للأخذ بثأر أخيه عبد الله وكان قد قتل : .
ودع عنك عمرا ان عمرا مسالم ... وهل بطن عمرو غير شبر لمطعم وما في هذه الآية من ذلك الأسلوب أي لا تكترث بهم فإنهم دون أن تصرف همتك في شأنهم مثل قوله تعالى ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) .
وبهذا تعلم أن قوله تعالى ( فذرهم ) لا علاقة له بحكم القتال ولا هو من الموادعة ولا هو منسوخ بآيات السيف كما توهمه بعض المفسرين .
والخوض : الكلام الكثير والمراد خوضهم في القرآن وشأن النبي A والمسلمين .
واللعب : الهزل والهزء وهو لعبهم في تلقي الدعوة الإسلامية وخروجهم عن حدود التعقل والجد في الأمر لاستطارة رشدهم حسدا وغيظا وحنقا .
وجزم ( يخوضوا ويلعبوا ) في جواب الأمر للمبالغة في ارتباط خوضهم ولعبهم بقلة الاكتراث بهم إذ مقتضى جزمه في الجواب أن يقدر : أن تذرهم يخوضوا ويلعبوا أي يستمروا في خوضهم ولعبهم وذلك لا يضيرك ومثل هذا الجزم كثير نحو ( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون ) ونحو ( قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ) . وبعض المفسرين والنحويين يجعل أمثالهم مجزوما بلام الأمر مقدرة على أن ذلك مقول القول وهو يفيد نكتة المبالغة .
و ( حتى ) متعلقة ب ( ذرهم ) لما فيه من معنى أمهلهم وانتظرهم فإن اليوم الذي وعدوه وهو يوم النشور حين يجازون على استهزائهم وكفرهم فلا يكون غاية ل ( يخوضوا ويلعبوا ) والغاية هنا كناية عن دوام تركهم .
وإضافة ( يوم ) إلى ضميرهم لأدنى ملابسة .
وقرأ الجمهور ( يلاقوا ) بألف بعد اللام من الملاقاة . وقرأه أبو جعفر بدون ألف من اللقاء .
واللقاء : مجاز على كل تقدير : فعلى قراءة الجمهور وهو مجاز من جهتين لأن اليوم لا يلقى ولا يلقى . وعلى قراءة أبي جعفر وهو مجاز من جهة واحدة لأن اللقاء إنما يقع بين الذوات .
و ( يوم يخرجون من الأجداث ) بدل من ( يومهم ) ليس ظرفا .
والخروج : بروز أجسادهم من الأرض .
وقرأ الجمهور ( يخرجون ) بفتح التحتية على البناء للفاعل . وقرأه أبو بكر عن عاصم بضمها على البناء للمفعول .
والأجداث : جمع جدث بفتحتين وهو القبر والقبر : حفير يجعل لمواراة الميت .
وضمير ( يخرجون ) عائد إلى المشركين المخبر عنه بالأخبار السابقة . وجميعهم قد دفنوا في قبور أو وضعوا في قليب بدر .
والنصب بفتح فسكون : الصنم ويقال : نصب بضمتين ووجه تسميته نصبا أنه ينصب للعبادة قال الأعشى : .
وذا النصب المنصوب لا تنسكنه ... ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا و ( يوفضون ) مضارع أوفض إذا أسرع وعدا في سيره أي كأنهم ذاهبون إلى صنم شبه إسراعهم يوم القيامة إلى الحشر بإسراعهم في الدنيا إلى الأصنام لزيارتها لأن لهذا الإسراع اختصاصا بهم وفي هذا التشبيه إدماج لتفظيع حالهم في عبادة الأصنام وإيماء إلى أن إسراعهم يوم القيامة إسراع دع ودفع جزاء على إسراعهم للأصنام .
وقرأ الجمهور ( نصب ) بفتح النون وسكون الصاد . وقرأه ابن عامر وحفص عن عاصم بضم النون والصاد