وجملة ( لا أقسم برب المشارق ) الخ معترضة بين الفاء وما عطفته .
والقسم بالله بعنوان ربوبيته المشارق والمغارب معناه : ربوبيته العالم كله لأن العالم منحصر في جهات شروق الشمس وغروبها .
وجمع ( المشارق والمغارب ) باعتبار تعدد مطالع الشمس ومغاربها في فصول السنة فإن ذلك مظهر عجيب من مظاهر القدرة الإلهية والحكمة الربانية لدلالته من عظيم صنع الله من حيث إنه دال على الحركات الحافة بالشمس التي هي من عظيم المخلوقات ولذلك لم يذكر في القرآن قسم بجهة غير المشرق والمغرب دون الشمال والجنوب مع أن الشمال والجنوب جهتان مشهورتان عند العرب . أقسم الله به على سنة أقسام القرآن .
A E وفي إيثار المشارق والمغارب بالقسم بربها رعي لمناسبة طلوع الشمس بعد غروبها لتمثيل الإحياء بعد الموت .
وتقدم القول في دخول حرف النفي مع ( لا أقسم ) عند قوله ( فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون ) في سورة الحاقة وقوله ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) في سورة الواقعة .
وقوله ( على أن نبدل خيرا منهم ) يحتمل معنيين : أولهما وهو المناسب للسياق أن يكون المعنى على أن نبدلهم خيرا منهم أي نبدل ذواتهم خلقا خيرا من خلقهم الذي هم عليه اليوم . والخيرية في الإتقان والسرعة ونحوهما وإنما كان خلقا أتقن من النشأة الأولى لأنه خلق مناسب لعالم الخلود وكان الخلق الأول مناسبا لعالم التغير والفناء وعلى هذا الوجه يكون ( نبدل ) مضمنا معنى : نعوض ويكون المفعول الأول ل ( نبدل ) ضميرا مثل ضمير ( منهم ) أي نبدلهم والمفعول الثاني ( خيرا منهم ) .
و ( من ) تفضيلية أي خيرا في الخلقة والتفضيل باعتبار اختلاف زماني الخلق الأول والخلق الثاني أو اختلاف عالميهما .
والمعنى الثاني : أن نبدل هؤلاء بخير منهم أي بأمة خير منهم والخيرية في الإيمان فيكون ( نبدل ) على أصل معناه ويكون مفعوله محذوفا مثل ما في المعنى الأول ويكون ( خيرا ) منصوبا على نزع الخافض وهو باء البدلية كقوله ( تستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ) ويكون هذا تهديدا لهم بأن سيستأصلهم ويأتي بقوم آخرين كما قال تعالى ( إن يشا يذهبكم ويأت بخلق جديد ) وقوله ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) .
وفي هذا تثبيت للنبي A وتذكير بأن الله عالم بحالهم .
وذيل بقوله ( وما نحن بمسبوقين ) والمسبوق مستعار للمغلوب عن أمره شبه بالمسبوق بالحلبة أو بالمسبوق في السير وقد تقدم في قوله تعالى ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون ) ومنه قول مرة بن عداء الفقعسي : .
كأنك لم تسبق من الدهر مرة ... إذا أنت أدركت الذي كنت تطلب يريد : كأنك لم تغلب إذ تداركت أمرك وأدركت طلبتك .
و ( على أن نبدل أمثالكم ) متعلق ب ( مسبوقين ) أي ما نحن بعاجزين على ذلك التبديل بأمثالكم كما قال في سورة الواقعة ( إنا لقادرون على أن نبدل أمثالكم ) .
( فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون [ 42 ] يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون [ 43 ] خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون [ 44 ] ) تفريع على ما تضمنه قوله ( فما للذين كفروا قبلك مهطعين ) من إرادتهم بفعلهم ذلك وقولهم : إننا ندخل الجنة الاستهزاء بالقرآن والنبي A . وبعد إبطاله إجمالا وتفصيلا فرع عن ذلك أمر الله رسوله بتركهم للعلم بأنهم لم يجد فيهم الهدي والاستدلال وأنهم مصرون على العناد والمناواة .
ومعنى الأمر بالترك في قوله ( فذرهم ) أنه أمر بترك ما أهم النبي A من عنادهم وإصرارهم على الكفر مع وضوح الحجج على إثبات البعث ولما كان أكبر أسباب إعراضهم وإصرارهم على كفرهم هو خوضهم ولعبهم كني به عن الإعراض بقوله ( يخوضوا ويلعبوا ) .
فجملة ( يخوضوا ) وجملة ( ويلعبوا ) حالان من الضمير الظاهر في قوله ( فذرهم ) . وتلك الحال قيد للأمر في قوله ( فذرهم ) . والتقدير : فذر خوضهم ولعبهم ولا تحزن لعنادهم وإصرارهم