والتذكرة : اسم مصدر التذكير وهو التنبيه إلى مغفول عنه .
والإخبار : ب ( أنه تذكرة ) إخبار بالمصدر للمبالغة في الوصف . والمعنى : أنه مذكر للناس بما يغفلون عنه من العلم بالله وما يليق بجلاله لينتشلهم من هوة التمادي في الغفلة حتى يفوت الفوات فالقرآن في ذاته تذكرة لمن يريد أن يتذكر سواء تذكر أم لم يتذكر وقد تقدم تسمية القرآن بالذكر والتذكير في آيات عديدة منها قوله تعالى في سورة طه ( غلا تذكرة لمن يخشى ) وقوله ( وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر ) في سورة الحجر .
والمراد بالمتقين المؤمنون فإنهم المتصفون بتقوى الله لأنهم يؤمنون بالبعث والجزاء دون المشركين . فالقرآن كان هاديا إياهم للإيمان كما قال تعالى ( هدى للمتقين ) وكلما نزل منه شيء أو تلوا منه شيئا ذكرهم بما عملوا لئلا تعتريهم غفلة أو نسيان فالقرآن تذكرة للمتقين في الماضي والحال والمستقبل فإن الإخبار عنهم باسم المصدر يتحمل الأزمنة الثلاثة إذ المصدر لا إشعار له بوقت بخلاف الفعل وما أشبهه .
وإنما علق ( للمتقين ) بكونه تذكرة لأن المتقين هم الذين أدركوا مزيته .
( وإنا لنعلم أن منكم مكذبين [ 49 ] وإنه لحسرة على الكافرين [ 50 ] ) هاتان جملتان مرتبطتان وأولاهما تمهيد وتوطئة للثانية وهي معترضة بين التي قبلها والتي بعدها والثانية منها معطوفة على جملة ( وإنه لتذكرة للمتقين ) فكان تقديم الجملة الأولى على الثانية اهتماما بتنبيه المكذبين إلى حالهم وكانت أيضا بمنزلة التتميم لجملة ( وإنه لتذكرة للمتقين ) .
والمعنى : إنا بعثنا إليكم الرسول بهذا القرآن ونحن نعلم أنه سيكون منكم مكذبون له وبه وعلمنا بذلك لم يصرفنا عن توجيه التذكير إليكم وإعادته عليكم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة فقوبلت صفة القرآن التي تنفع المتقين بصفته التي تضر بالكافرين على طريقة التضاد فبين الجملتين المتعاطفتين محسن الطباق .
والحسرة : الندم الشديد المتكرر على شيء فائت مرغوب فيه ويقال لها التلهف اشتقت من الحسر وهو الكشف لأن سببها ينكشف لصاحبها بعد فوات إدراكه ولا يزال يعاوده فالقرآن حسرة على الكافرين أي سبب حسر عليهم في الدنيا لأنه فضح ترهاتهم ونقض عماد دينهم الباطل وكشف حقارة أصنامهم وهو حسرة عليهم في الآخرة لأنهم يجدون مخالفته سبب عذابهم ويقفون على اليقين بأن ما كان يدعوهم إليه هو سبب النجاح لو اتبعوه لا سيما وقد رأوا حسن عاقبة الذين صدقوا به .
والمكذبون : هم الكافرون . وإنما عدل عن الإتيان بضميرهم إلى الاسم الظاهر لأن الحسرة تعم المكذبين يومئذ والذين سيكفرون به من بعد .
( وإنه لحق اليقين [ 51 ] ) عطف على ( وإنه لحسرة على الكافرين ) فيحتمل أن يكون الضمير عائدا على القرآن لأن هذه من صفات القرآن ويحتمل أن يكون مرادا به المذكور وهو كون القرآن حسرة على الكافرين أي أن ذلك حق لا محالة أي هو جالب لحسرتهم في الدنيا والآخرة .
A E وإضافة حق إلى اليقين يجوز أن يكون من إضافة الموصوف إلى الصفة أي إنه لليقين الحق الموصوف بأنه يقين لا يشك في كونه حقا إلا من غشي على بصيرته وهذا أولى من جعل الإضافة من إضافة الصفة إلى الموصوف أي لليقين الحق أي الذي لا تعتريه شبهة .
واعلم أن حق اليقين وعين اليقين وعلم اليقين وقعت في القرآن .
فحق اليقين وقع في هذه السورة وفي آخر سورة الواقعة . وعلم اليقين وعين اليقين وقعا في سورة التكاثر وهذه الثلاثة إضافتها من إضافة الصفة إلى الموصوف أو من إضافة الموصوف إلى الصفة كما ذكرنا . ومعنى كل مركب منها هو محصل ما تدل عليه كلمتاه وإضافة إحداهما إلى الأخرى