و ( منه ) متعلق ب ( أخذنا ) تعلق المفعول بعامله . و ( من ) زائدة في الإثبات على رأي الأخفش والكوفيين وهو الراجح . وقد بينته عند قوله تعالى ( فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل ) فإن ( النخل ) معطوف على ( خضرا ) بزيادة ( من ) ولولا اعتبار الزيادة لما استقام الإعراب إلا بكلفة وفائدة ( من ) الزائدة في الكلام أن أصلها التبعيض المجازي على وجه التمليح كأنه يقول : نأخذ بعضه .
والوتين : عرق معلق به القلب ويسمى النياط وهو الذي يسقي الجسد بالدم ولذلك يقال له : نهر الجسد وهو إذا قطع مات صاحبه وهو يقطع عند نحر الجزور .
فقطع الوتين من أحوال الجزور ونحرها فشبه عقاب من يفرض تقوله على الله بجزور تنحر فيقطع وتينها .
ولم أقف على أن العرب كانوا يكنون عن الإهلاك بقطع الوتين فهذا من مبتكرات القرآن .
و ( منه ) صفة للوتين أو متعلق ب ( قطعنا ) أي أنزلناه منه .
وبين ( منه ) الأولى و ( منه ) الثانية محسن الجناس .
وأما موقع تفريع قوله ( فما منكم من أحد عنه حاجزين ) فهو شديد الاتصال بما استتبعه فرض التقول من تأييسهم من أن يتقول على الله كلاما لا يسوءهم ففي تلك الحالة من أحوال التقول لو أخذنا عنه باليمين فقطعنا منه الوتين لا يستطيع أحد منكم أو من غيركم أن يحجز عنه ذلك العقاب وبدون هذا الاتصال لا يظهر معنى تعجيزهم عن نصره إذ ليسوا من الولاء له بمظنة نصره فمعنى هذه الآية يحوم حول معنى قوله ( وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذن لاتخذوك خليلا ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذن لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا سبيلا ) .
والخطاب في قوله ( منكم ) للمشركين .
وإنما أخبر عن ( أحد ) وهو مفرد ب ( حاجزين ) جمعا لأن ( أحد ) هنا وإن كان لفظه مفردا فهو في معنى الجمع لأن ( أحد ) إذا كان بمعنى ذات أو شخص لا يقع إلا في سياق النفي ثم عريب وديار ونحوهما من النكرات التي لا تستعمل إلا منفية فيفيد العموم أي كل واحد لا يستطيع الحجز عنه ويستوي في لفظه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث قال تعالى ( لا نفرق بين أحد من رسله ) وقال ( لستن كأحد من النساء ) .
والمعنى : ما منكم أناس يستطيعون الحجز عنه .
والحجز : الدفع والحيلولة أي لا أحد منكم يحجزنا عنه . والضمير عائد إلى ( الرسول الكريم ) .
و ( من ) في قوله ( من أحد ) مزيدة لتأكيد النفي وللتنصيص على العموم .
وذكر ( منكم ) مع ( عنه ) تجنيس محرف .
وهذه الآية دليل على أن الله تعالى لا يبقي أحدا يدعي أن الله أوحى إليه كلاما يبلغه إلى الناس وأنه يعجل بهلاكه .
فأما من يدعي النبوة دون ادعاء قول أوحي إليه فإن الله قد يهلكه بعد حين كما كان في أمر الأسود العنسي الذي ادعى النبوة باليمن ومسيلمة الحنفي الذي ادعى النبوة في اليمامة فإنهما لم يأتيا بكلام ينسبانه إلى الله تعالى فكان إهلاكهما بعد مدة ومثلهما من ادعى النبوة في الإسلام مثل ( بابك ومازيار ) .
A E وقال الفخر : " قيل : اليمين بمعنى القوة والقدرة والمعنى : لأخذنا منه باليمين أي سلبنا عنه القوة والباء على هذا التقدير صلة زائدة . واعلم أن حاصل هذا أنه لو نسب إلينا قولا لم نقله لمنعناه عن ذلك : إما بواسطة إقامة الحجة فإنا نقيض له من يعارضه فيه وحينئذ يظهر للناس كذبه فيه فيكون ذلك إبطالا لدعواه وهدما لكلامه وإما بأن نسلب عنه القدرة على التكلم بذلك القول وهذا هو الواجب في حكمة الله تعالى لئلا يشتبه الصادق بالكاذب " اه . فركب من تفسير اليمين بمعنى القوة أن المراد قوة المتقول لا قوة الله وانتزع من ذلك تأويل الباء على معنى الزيادة ولم يسبقه بهذا التأويل أحد من المفسرين ولا تبعه فيه من بعده فيما رأينا . وفيه نظر وقد تبين بما فسرنا به الآية عدم الاحتجاج إلى تأويل الفخر .
( وإنه لتذكرة للمتقين [ 48 ] ) عطف على ( إنه لقول رسول كريم ) والضمير عائد إلى القرآن الذي تقدم ضميره في قوله 0إنه لقول رسول كريم ) فلما أبطل طعنهم في القرآن بأنه قول شاعر أو قول كاهن أعقب ببيان شرفه ونفعه إمعانا في إبطال كلامهم بإظهار الفرق البين بينه وبين شعر الشعراء وزمزمة الكهان إذ هو تذكرة وليس ما ألحقوه به من أقوال أولئك من التذكير في شيء