وهذا وعد للنبي A بالنصر ووعيد لهم بانتقام في الدنيا لأنه تعجيل لتسلية الرسول .
وجملة ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) بيان لمضمون ( ذرني ومن يكذب بهذا الحديث ) باعتبار أن الاستدراج والإملاء يعقبها الانتقام فكأنه قال : سنأخذهم بأعمالهم فلا تستبطئ الانتقام فإنه محقق وقوعه ولكن يؤخر لحكمة تقتضي تأخيره .
والاستدراج : استنزال الشيء من درجة إلى أخرى في مثل السلم وكان أصل السين والتاء فيه للطلب أي محاولة التدرج أي التنقل في الدرج والقرينة تدل على إرادة النزول إذ التنقل في الدرج يكون صعودا ونزولا ثم شاع إطلاقه على معاملة حسنة لمسيء إلى إبان مقدر عند حلوله عقابه ومعنى من حيث لا يعلمون أن استدراجهم المفضي إلى حلول العقاب بهم يأتيهم من أحوال وأسباب لا يتفطنون إلى أنها مفضية بهم إلى الهلاك وذلك أجلب لقوة حسرتهم عند حدوث المصائب بهم ف ( من ) ابتدائية و ( حيث ) للمكان المجازي أي الأسباب والأفعال والأحوال التي يحسبونها تأتيهم بخير فتنكشف لهم عن الضر . ومفعول ( لا يعلمون ) ضمير محذوف عائد إلى ( حيث ) .
وأملي : مضارع أملي مقصور بمعنى أمهل وأخر وهو مشتق من الملا مقصورا وهو الحين والزمن ومنه قيل الليل والنهار الملوان فيكون أملى بمعنى طول في الزمان ومصدره إملاء .
ولام ( لهم ) هي اللام المسماة لام التبيين وهي التي تبين اتصال مدخولها لخفاء فيه فإن اشتقاق فعل أملى من الملوو وهو الزمان اشتقاق غير بين لخفاء معنى الحدث فيه .
ونون ( سنستدرجهم ) نون المتكلم المشارك والمراد الله وملائكته الموكلون بتسخير الموجودات وربط أحوال بعضها ببعض على وجه يتم به مراد الله فلذلك جيء بنون المتكلم فالاستدراج تعلق تنجيزي لقدرة الله فيحصل بواسطة الملائكة الموكلين كما قال تعالى ( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق ) الآية .
وأما الإملاء فهو علم الله بتأجيل أخذهم . وتعلق العلم ينفرد به الله فلذلك جيء معه بضمير المفرد . وحصل في هذا الاختلاف تفنن في الضميرين .
A E ونظير هذه الآية قوله في الأعراف ( والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين ) باعتبار أنهما وعد للنبي A بالنصر وتثبيت له بأن استمرار الكافرين في نعمة إنما هو استدراج وإملاء وضرب يشبه الكيد وأن الله بالغ أمره فيهم وهذا كقوله ( لا يغرنك تلقب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ) .
وموقع ( إن ) موقع التسبب والتعليل كما تقدم عند قوله تعالى ( إن أول بيت وضع للناس ) في سورة آل عمران .
وإطلاق الكيد على إحسان الله لقوم مع إرادة إلحاق السوء بهم إطلاق على وجه الاستعارة لمشابهته فعل الكائد من حيث تعجيل الإحسان وتعقيبه بالإساءة .
( أم تسئلهم أجرا فهم من مغرم مثقلون [ 46 ] ) إضراب آخر للانتقال إلى إبطال آخر من إبطال معاذيرهم في إعراضهم عن استجابة دعوة النبي A المبتدئ من قوله ( ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب ) ( أم لكم أيمان ) ( أم لهم شركاء ) فإنه بعد أن نفى أن تكون لهم حجة تؤيد صلاح حالهم . أو وعد لهم بإعطاء ما يرغبون أو أولياء ينصرونهم عطف الكلام إلى نفي أن يكون عليهم ضر في إجابة دعوة الإسلام استقصاء لقطع ما يحتمل من المعاذير بافتراض أن الرسول A سألهم أجرا على هديه إياهم فصدهن عن إجابته ثقل غرم المال على نفوسهم .
فالاستفهام الذي تؤذن به ( أم ) استفهام إنكار لفرض أن يكون ذلك مما يخامر نفوسهم فرضا اقتضاه استقراء نواياهم من مواقع الإقبال على دعوة الخير والرشد .
والمغرم : ما يفرض على المرء أداؤه من ماله لغير عوض ولا جناية .
والمثقل : الذي حمل عليه شيء ثقيل وهو هنا مجاز في الإشفاق .
والفاء للتفريع والتسبب أي فيتسبب على ذلك أنك شققت عليهم فيكون ذلك اعتذارا منهم عن عدم قبول ما تدعوهم إليه .
و ( من غرم ) متعلق ب ( مثقلون ) و ( من ) ابتدائية وهو ابتداء مجازي بمعنى التعليل وتقديم المعمول على عامله للاهتمام بموجب المشقة قبل ذكرها مع الرعاية على الفاصلة .
( أم عندهم الغيب فهم يكتبون [ 47 ] )