وفي صحيح مسلم من حديث الرؤية وحديث الشفاعة عن أبي سعيد الخدري أن النبي A قال " فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد رياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه " الحديث فيصلح ذلك تفسيرا لهذه الآية .
وقد اتبع فريق من المفسرين هذه الرواية وقالوا يكشف الله عن ساقه أي عن مثل الرجل ليراها الناس ثم قالوا هذا من المتشابه على أنه روي عن أبي موسى الأشعري عن النبي A في قوله تعالى ( عن ساق ) قال يكشف عن نور عظيم يخرون له سجدا .
ورويت أخبار أخرى ضعيفة لا جدوى في ذكرها .
والسجود الذي يدعون إليه : سجود الضراعة والخضوع لأجل الخلاص من أهوال الموقف .
وعدم استطاعتهم السجود لسلب الله منهم الاستطاعة على السجود ليعلموا أنهم لا رجاء لهم في النجاة .
والذي يدعوهم إلى السجود الملائكة الموكلون بالمحشر بأمر الله تعالى كقوله تعالى ( يوم يدعو الداعي إلى شيء نكر ) إلى قوله ( مهطعين إلى الداعي ) أو يدعو بعضهم بعضا بإلهام من الله تعالى وهو نضير الدعوة إلى الشفاعة في الأثر المروي " فيقول بعضهم لبعض لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من موقفنا هذا " .
وخشوع الأبصار : هيئة النظر بالعين بذلة وخوف استعير له وصف ( خاشعة ) لأن الخاشع يكون مطأطئا مختفيا .
و ( ترهقهم ) : تحل بهم وتقترب منهم بحرص على التمكن منهم رهق من باب فرح قال تعالى ( ترهقها قترة ) .
وجملة ( ترهقهم ذلة ) حال ثانية من ضمير ( يستطيعون ) .
وجملة ( وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ) معترضة بين ما قبلها وما تفرع عنها أي كانوا في الدنيا يدعون إلى السجود لله وحده وهم سالمون من مثل الحالة التي هم عليها في يوم الحشر . والواو للحال وللاعتراض .
وجملة ( وهم سالمون ) حال من ضمير ( يدعون ) أي وهم قادرون لا علة تعوقهم في أجسادهم . والسلامة : انتفاء العلل والأمراض بخلاف حالهم يوم القيامة فإنهم ملجأون لعدم السجود .
( فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون [ 44 ] وأملي لهم إن كيدي متين [ 45 ] ) A E الفاء لتفريع الكلام الذي عطفته على الكلام الذي قبله لكون الكلام الأول سببا في ذكر ما بعده فيعد أن استوفي الغرض من موعظتهم ووعيدهم وتزييف أوهامهم أعقب بهذا الاعتراض تسلية للرسول A بأن الله تكفل بالانتصاف من المكذبين ونصره عليهم .
وقوله ( فذرني ومن يكذب ) ونحوه يفيد تمثيلا لحال مفعول ( ذر ) في تعهده بأن يكفي مؤونة شيء دون استعانة بصاحب المؤونة بحال من يرى المخاطب قد شرع في الانتصار لنفسه ورأى أنه لا يبلغ بذلك مبلغ مفعول ( ذر ) لأنه أقدر من المعتدى عليه في الانتصاف من المعتدي فيتفرغ له ولا يطلب من صاحب الحق إعانة له على أخذ حقه ولذلك يؤتى بفعل يدل على طلب الترك ويؤتى بعده بمفعول معه ومنه قوله تعالى ( وذرني والمكذبين ) ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) وقال السهيلي في الروض الأنف في قوله تعالى ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) فيه تهديد ووعيد أي دعني وإياه فسترى ما أصنع وهي كلمة يقولها المغتاظ إذا اشتد غيظه وغضبه وكره أن يشفع لمن اغتاض عليه فمعنى الكلام لا شفاعة في هذا الكافر .
والواو : واو المعية وما بعدها مفعول معه ولا يصح أن تكون الواو عاطفة لأن المقصود : اتركني معهم .
و ( الحديث ) يجوز أن يراد به القرآن وتسميته حديثا لما فيه من الإخبار عن الله تعالى وما فيه من أخبار الأمم وأخبار المغيبات وقد سمي بذلك في قوله تعالى ( فبأي حديث بعده يؤمنون ) في سورة الأعراف وقوله تعالى ( أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ) الآية في سورة النجم وقوله ( أفبهذا الحديث أنتم مدهنون ) في سورة الواقعة .
واسم الإشارة على هذا للإشارة إلى مقدر في الذهن مما سبق نزوله من القرآن .
ويجوز أن يكون المراد بالحديث الإخبار عن البعث وهو ما تضمنه قوله تعالى ( يوم يكشف عن ساق ) الآية .
ويكون اسم الإشارة إشارة إلى ذلك الكلام والمعنى : حسبك إيقاعا بهم أن تكل أمرهم إلي فأنا أعلم كيف أنتصف منهم فلا تشغل نفسك بي وتوكل علي .
ويتضمن هذا تعريضا بالتهديد للمكذبين لأنهم يسمعون هذا الكلام