وقد نقل أسلوب الكلام من الخطاب إلى الغيبة لمناسبة وقوعه بعد ( سلهم أيهم بذلك زعيم ) لأن أخص الناس بمعرفة أحقية هذا الإبطال هو النبي A وذلك يستتبع توجيه هذا الإبطال إليهم بطريقة التعريض .
والتفريع في قوله ( فليأتوا بشركائهم ) تفريع على نفي أن تنفعهم آلهتهم فتعين أن أمر ( فليأتوا ) أمر تعجيز .
وإضافة ( شركاء ) إلى ضميرهم في قوله ( فليأتوا بشركائهم ) لإبطال صفة الشركة في الإلهية عنهم أي ليسوا شركاء في الإلهية إلا عند هؤلاء فإن الإلهية الحق لا تكون نسبية بالنسبة إلى فريق أو قبيلة .
ومثل هذا الإطلاق كثير في القرآن ومنه قوله ( قل ادعوا شركائكم ثم كيدون فلا تنظرون ) .
( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون [ 42 ] خاشعة أبصرهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سلمون [ 43 ] ) يجوز أن يكون ( يوم يكشف ) متعلقا بقوله ( فليأتوا بشركائهم ) أي فليأتوا بالمزعومين يوم القيامة . وهذا من حسن التخلص إلى ذكر أهوال القيامة عليهم .
ويجوز أن يكون استئنافا متعلقا بمحذوف تقديره : اذكر يو يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود الخ للتذكير بأهوال ذلك اليوم .
وعلى كلا الوجهين في تعلق ( يوم ) فالمراد باليوم يوم القيامة .
والكشف عن ساق : مثل لشدة الحال لصعوبة الخطب والهول وأصله أن المرء إذا هلع أن يسرع في المشي ويشمر ثيابه فيكشف عن ساقه كما يقال : شمر عن ساعد الجد وأيضا كانوا في الروع والهزيمة تشمر الحرائر عن سوقهن في الهرب أو في العمل فتنكشف سوقهن في الهرب أو في العمل فتنكشف سوقهن بحيث يشغلهن هول الأمر عن الاحتراز من إبداء ما لا تبدينه عادة فيقال : كشفت عن ساقها أو شمرت عن ساقها أو أبدت عن ساقها . قال عبد الله بن قيس الرقيات : .
كيف نومي على الفراش ولما ... تشمل الشام غارة شعواء .
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي ... عن خدام العقيلة العذراء A E وفي حديث غزوة أحد قال أنس بن مالك " انهزم الناس عن النبي A ولقد رأيت عائشة وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقلان القرب على متونهما ثم تفرغانها في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها " إلخ فإذا قالوا : كشف المرء عن ساقه فهو كناية عن هول أصابه وإن لم يكن كشف ساق . وإذا قالوا : كشف الأمر عن ساق فقد مثلوه بالمرأة المروعة وكذلك كشفت الحرب عن ساقها كل ذلك تمثيل إذ ليس ثمة ساق قال حاتم : .
فتى الحرب غضت به لحرب الحرب عضها ... وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا وقال جد طرفة من الحماسة : .
كشفت لهم عن ساقها ... وبدا من الشر البواح وقرأ ابن عباس ( يوم تكشف ) بمثناة فوقية وبصيغة البناء للفاعل على تقدير تكشف الشدة عن ساقها أو تكشف القيامة وقريب من هذا قولهم : قامت الحرب على ساق .
والمعنى : يوم تبلغ أحوال الناس منتهى الشدة والروع قال ابن عباس : يكشف عن ساق : عن كرب وشدة وهي أشد ساعة في يوم القيامة .
وروى عبد بن حميد وغيره عن عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن هذا فقال " إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب أما سمعتم قول الشاعر : .
صبرا عناق إنه لشرباق ... قد سن لي قومك ضرب الأعناق وقامت الحرب بنا على ساق وقال مجاهد : يكشف عن ساق : شدة الأمر .
وجملة ( ويدعون ) ليس عائدا إلى المشركين مثل ضمير ( إنا بلوناهم ) إذ لا يساعد قوله ( وقد كانوا يدعون إلى السجود ) فإن المشركين لم يكونوا في الدنيا يدعون إلى السجود . فالوجه أن يكون عائدا إلى غير مذكور أي ويدعى مدعوون فيكون تعريضا بالمنافقين بأنهم يحشرون مع المسلمين ويمتحن الناس بدعائهم إلى السجود ليتميز المؤمنون الخلص عن غيرهم تميز تشريف فلا يستطيع المنافقون السجود فيفتضح كفرهم . قال القرطبي عن قيس بن السكن عن عبد الله بن مسعود : فمن كان يعبد الله مخلصا يخر ساجدا له ويبقى المنافقون لا يستطيعون كأن في ظهورهم السفافيد اه . فيكون قوله تعالى ( ويدعون إلى السجود ) إدماجا لذكر بعض ما يحصل من أحوال ذلك اليوم