ويكون ( فيه ) توكيدا لفظيا لنظيرها من قوله ( فيه تدرسون ) قصد من إعادتها مزيد ربط الجملة بالتي قبلها كما أعيدت كلمة ( من ) في قوله تعالى ( ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ) وأصله : تتخذون سكرا .
و ( تخيرون ) أصله تتخيرون بتاءين حذفت إحداهما تخفيفا . والتخير : تكلف الخير أي تطلب ما هو في أخير . والمعنى : إن في ذلك الكتاب لكم ما تختارون من خير الجزاء .
( أم لكم أيمن علينا بلغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون [ 39 ] ) ( أم ) للانتقال إلى دليل آخر وهو نفي أن يكون مستند زعمهم عهدا أخذوه على الله لأنفسهم أن يعامله يوم القيامة بما يحكمون به لأنفسهم فالاستفهام اللازم تقديره بعد ( أم ) إنكاري و ( بالغة ) مؤكدة . وأصل البالغة : الواصلة إلى ما يطلب بها وذلك استعارة لمعنى مغلظة شبهت بالشيء المبالغ إلى نهاية سيره . وذلك كقوله تعالى ( قل فلله الحجة البالغة ) .
وقوله ( علينا ) صفة ثانية ل ( أيمان ) أي أقسمناها لكم لإثبات حقكم علينا .
و ( إلى يوم القيامة ) صفة ثالثة ل ( أيمان ) أي أيمان مؤبدة لا تحلة منها فحصل من الوصفين أنها عهود مؤكدة ومستمرة طول الدهر فليس يوم القيامة منتهى الأخذ بتلك الأيمان بل هو تنصيص على التأييد كما في قوله تعالى ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة ) في سورة الأحقاف .
ويتعلق إلى يوم القيامة بالاستقرار الذي في الخبر في قوله ( لكم أيمان ) ولا يحسن تعلقه ب ( اللغة ) تعلق الظرف اللغو لأنه يصير ( بالغة ) مستعملا في معنى مشهور قريب من الحقيقة ومحمل ( بالغة ) على الاستعارة التي ذكرنا أجزل وجملة ( إن لكم لما تحكمون ) بيان ل ( أيمان ) أي أيمان بهذا اللفظ .
ومعنى ما تحكمون تأمرون به دون مراجعة يقال : نزلوا على حكم فلان أي لم يعينوا طلبة خاصة ولكنهم وكلوا تعيين حقهم إلى فلان قال خطاب أو حطان بن المعلى : A E .
أنزلني الدهر على حكمه ... من شامخ عال إلى خفض أي دون اختيار لي ولا عمل عملته فكأنني حكمت الدهر فأنزلني من معاقلي وتصرف في كما شاء .
ومن أقوالهم السائرة مسرى الأمثال " حكمك مسمطا " " بضم الميم وفتح السين وفتح الميم الثانية مشددة " أي لك حكمك نافذا لا اعتراض عليك فيه . وقال ابن عثمة : .
لك المرباع منها والصفايا ... وحكمك والنشيطة والفضول ( سلهم أيهم بذلك زعيم [ 40 ] ) استئناف بياني عن جملة ( أم لكم أيمان علينا بالغة ) لأن الأيمان وهي العهود تقتضي الكفلاء عادة قال الحارث بن حلزة : .
واذكروا حلف ذي المجاز وما قد ... م فيه العهود والكفلاء فلما ذكر إنكار أن يكون لهم عهود كمل ذلك بأن يطلب منهم أن يعينوا من هم الزعماء بتلك الأيمان .
فالاستفهام في قوله ( سلهم أيهم بذلك زعيم ) مستعمل في التهكم زيادة على الإنكار عليهم .
والزعيم : الكفيل وقد جعل الزعيم أحدا منهم زيادة في التهكم وهو أن جعل الزعيم لهم واحدا منهم لعزتهم ومناغاتهم لكبرياء الله تعالى .
( أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين [ 41 ] ) ( أم ) إضراب انتقالي ثالث إلى إبطال مستند آخر مفروض لهم في سند قولهم : إنا نعطى مثل ما يعطى المسلمون أو خيرا مما يعطونه وهو أن يفرض أن أصنامهم تنصرهم وتجعل لهم حظا من جزاء الخير في الآخرة .
والمعنى : بل أثبتت لهم أي لأجلهم ونفعهم شركاء أي شركاء لنا في الإلهية في زعمهم فحذف متعلق ( شركاء ) لشهرته عندهم فصار شركاء بمنزلة اللقب أي أم آلهتهم لهم فليأتوا بهم لينفعوهم يوم القيامة .
واللام في ( لهم ) لام الأجل أي لأجلهم بتقدير مضاف أي لأجل نصرهم فاللام كاللام في قول أبي سفيان يوم أحد " لنا العزى ولا عزى لكم " .
وتنكير شركاء في حيز الاستفهام المستعمل في الإنكار يفيد انتفاء أن يكون أحد من الشركاء أي الأصنام لهم أي لنفعهم فيعم أصنام جميع قبائل العرب المشترك في عبادتها بين القبائل والمخصوصة ببعض القبائل