وإذا حمل الحرد على معنى السرعة والقصد كان على حرد متعلقا ب ( غدوا ) مبينا لنوع الغدو أي غدوا غدو سرعة واعتناء فتكون ( على ) بمعنى باء المصاحبة والمعنى : غدوا بسرعة ونشاط ويكون قادرين حالا من ضمير ( غدوا ) حالا مقدرة أي مقدرين أنهم قادرون على تحقيق ما أرادوا .
وفي الكلام تعريض بأنهم خابوا دل عليه قوله بعده ( فلما رأوها قالوا إنا لضالون ) وقوله قبله ( فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون ) .
وإذا أريد بالحرد الغضب والحنق فإنه يقال : حرد بالتحريك وحرد بسكون الراء ويتعلق المجرور ب ( قادرين ) وتقديمه للحصر أي غدوا لا قدرة لهم إلا على الحنق والغضب على المساكين لأنهم يقتحمون عليهم جنتهم كل يوم فتحيلوا عليهم بالتبكير إلى جذاذها أي لم يقدروا إلا على الغضب والحنق ولم يقدروا على ما أرادوه من اجتناء ثمر الجنة .
وعن السدي : أن حرد اسم قريتهم أي جنتهم . وأحسب أنه تفسير ملفق وكأن صاحبه تصيده من فعلي ( اغدوا ) و ( غدوا ) .
( فلما رأوها قالوا إنا لضالون [ 26 ] بل نحن محرومون [ 27 ] قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون [ 28 ] قالوا سبحن ربنا إنا كنا ظالمين [ 29 ] فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون [ 30 ] قالوا يا ويلتنا إنا كنا طغين [ 31 ] عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون [ 32 ] ) A E أي استفاقوا من غفلتهم ورجعوا إلى أنفسهم باللائمة على بطرهم وإهمال شكر النعمة التي سيقت إليهم وعلموا أنهم أخذوا بسبب ذلك قال تعالى ( وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون ) . ومن حكم الشيخ ابن عطاء الله الإسكندري " من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ومن شكرها فقد قيدها بعقالها " .
وأفادت ( لما ) اقتران جوابها بشرطها بالفور والبداهة . والمقصود من هذا التعريض للمشركين بأن يكون حالهم في تدارك أمرهم وسرعة إنابتهم كحال أصحاب هذه الجنة إذ بادروا بالندم وسألوا الله عوض خير .
وإسناد هذه المقالة إلى ضمير ( أصحاب الجنة ) يقتضي أنهم قالوه جميعا أي اتفقوا على إدراك سبب ما أصابهم .
ومعنى ( إنا لضالون ) أنهم علموا أنهم كانوا في ضلال أي عن طريق الشكر أي كانوا غير مهتدين وهو كناية عن كون ما أصابهم عقابا على إهمال الشكر فالضلال مجاز .
وأكدوا الكلام لتنزيل أنفسهم منزلة من يشك في أنهم ضالون طريق الخير لقرب عهدهم بالغفلة عن ضلالهم ففيه إيذان بالتحسر والتندم .
و ( بل نحن محرومون ) إضراب للانتقال إلى ما هو أهم بالنظر لحال تبيينهم إذ بيتوا حرمان المساكين من فضول ثمرتهم فكانوا هم المحرومين من جميع الثمار فالحرمان الأعظم قد اختص بهم إذ ليس حرمان المساكين بشيء في جانب حرمانهم .
والكلام يفيد ذلك إما بطريق تقديم المسند إليه بأن أتي به ضمير بارز مع أن مقتضى الظاهر أن يكون ضميرا مستترا في اسم المفعول مقدرا مؤخرا عنه لأنه لا يتصور إلا بعد سماع متحمله . فلما أبرز الضمير وقدم كان تقديمه مؤذنا بمعنى الاختصاص أي القصر وهو قصر إضافي . وهذا من مستتبعات التراكيب والتعويل على القرائن .
ويحتمل أن يكون الضلال حقيقيا أي ضلال طريق الجنة أي قالوا إنا أخطأنا الطريق في السير إلى جنتنا لأنهم توهموا أنهم شاهدوا جنة أخرى غير جنتهم التي عهدوها قالوا ذلك تحيرا في أمرهم .
ويكون الإضراب إبطاليا أي أبطلوا أن يكونوا ضلوا طريق جنتهم وأثبتوا أنهم محرومون من خير جنتهم فيكون المعنى أنها هي جنتهم ولكنها هلكت فحرموا خيراتها بأن أتلفها الله .
و ( أوسطهم ) أفضلهم وأقربهم إلى الخير وهو أحد الإخوة الثلاثة . والوسط : يطلق على الأخير الأفضل قال تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) وقال ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) ويقال هو من سطة قومه وأعطني من سطة مالك .
وحكي هذا القول بدون عاطف لأنه قول في مجرى المحاورة جوابا عن قولهم ( بل نحن محرومون ) قاله لهم على وجه توقيفهم على تصويب رأيه وخطأ رأيهم . والاستفهام تقريري و ( لولا ) حرف تحضيض . والمراد ب ( تسبحون ) تنزيه الله عن أن يعصى أمره في شأن إعطاءه زكاة ثمارهم