و ( من ربك ) أي جائيا من قبل ربك ف ( من ) للابتداء يعني : إنه عذاب أرسل إليهم عقابا لهم على عدم شكر النعمة .
وعجل العقاب لهم قبل التلبس بمنع الصدقة لأن عزمهم على المنع وتقاسمهم عليه حقق أنهم مانعون صدقاتهم فكانوا مانعين ويؤخذ من الآية موعظة إلى الذين لا يواسون بأموالهم .
وإذ كان عقاب أصحاب هذه الجنة دنيويا لم يكن في الآية ما يدل على أن أصحاب الجنة منعوا صدقة واجبة .
والصريم قيل : هو الليل والصريم من أسماء الليل ومن أسماء النهار لأن كل واحد منهما ينصرم عن الآخر كما سمي كل من الليل والنهار ملوا فيقال : الملوان وعلى هذا ففي الجمع بين ( أصبحت ) و ( الصريم ) محسن الطباق .
وقيل الصريم الرماد الأسود بلغة جذيمة أو خزيمة .
وقيل الصريم اسم رملة معروفة باليمن لا تنبت شيئا .
وإيثار كلمة الصريم هنا لكثرة معانيها وصلاحية جميع تلك المعاني لأن تراد في الآية .
وبين ( يصرمنها ) و ( الصريم ) الجناس .
وفاء ( فتنادوا ) للتفريع على ( أقسموا ليصرمنها مصبحين ) أي فلما أصبحوا تنادموا لإنجاز ما بيتوا عليه أمرهم .
والتنادي : أن ينادي بعضهم بعضا وهو مشعر بالتحريض على الغدو إلى جنتهم مبكرين .
والغدو : الخروج ومغادرة المكان في غدوة النهار أي أوله .
A E وليس قولهم ( إن كنتم صارمين ) بشرط تعليق ولكنه مستعمل في الاستبطاء فكأنهم لإبطاء بعضهم في الغدو قد عدل عن الجذاذ ذلك اليوم . ومنه قول عبد الله ابن عمر للحجاج عند زوال عرفة يحرضه على التهجير بالرواح إلى الموقف " الرواح إن كنت تريد السنة " . ونظير ذلك كثير في الكلام .
و ( على ) من قوله ( على حرثكم ) مستعملة في تمكن الوصول إليه كأنه قيل : اغدوا تكونوا على حرثكم أي مستقرين عليه .
ويجوز أن يضمن فعل الغدو معنى الإقبال كما يقال : يغدى عليه بالجفنة ويراح .
قال الطيبي : " ومثله قيل في حق المطلب تغدو درته " التي يضرب بها " على السفهاء وجفنته على الحلماء " .
والحرث : شق الأرض بحديدة ونحوها ليوضع فيها الزريعة أو الشجر وليزال منها العشب .
ويطلق الحرث على الجنة لأنهم يتعاهدونها بالحرث لإصلاح شجرها وهو المارد هنا في قوله تعالى ( وحرث حجر ) في سورة الأنعام وتقدم في قوله ( والأنعام والحرث ) في سورة آل عمران .
والتخافت : تفاعل من خفت إذا أسر الكلام .
و ( أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ) تفسير لفعل ( يتخافتون ) و ( أن ) تفسيرية لأن التخافت في معنى القول دون حروفه .
وتأكيد فعل النهي بنون التوكيد لزيادة تحقيق ما تقاسموا عليه .
وأسند إلى ( مسكين ) فعل النهي عن الدخول والمراد نهي بعضهم بعضا عن دخول المسكين إلى جنتهم أي لا يترك أحد مسكينا يدخلها . وهذا من قبيل الكناية وهو كثير في استعمال النهي كقولهم : لا أعرفنك تفعل كذا .
وجملة ( وغدوا على حرد قادرين ) في موضع الحال بتقدير ( قد ) أي انطلقوا في حال كونهم غادين قادرين على حرد .
وذكر فعل ( غدوا ) في جملة الحال لقصد التعجيب من ذلك الغدو النحس كقول امرئ القيس : .
وبات وباتت له ليلة ... كليلة ذي العائر الأرمد بعد قوله .
تطاول ليلك بالأثمد ... وبات الخلي ولم ترقد يخاطب نفسه على طريقة فيها التفات أو التفاتان .
والحرد : يطلق على المنع وعلى القصد القوي أي السرعة وعلى الغضب .
وفي إيثار كلمة ( حرد ) في الآية نكتة من نكت الإعجاز المتعلق بشرف اللفظ ورشاقته من حيث المعنى ومن جهة تعلق المجرور به بما يناسب كل معنى من معانيه أي بأن يتعلق ( على حرد ) ب ( قادرين ) أو بقوله ( غدوا ) فإذا علق ب ( قادرين ) فتقديم المتعلق يفيد تخصيصا أي قادرين على المنع أي منع الخير أو منع ثمر جنتهم غير قادرين على النفع .
والتعبير بقادرين على الحرد دون أن يقول : وغدوا حادرين تهكم لأن شأن فعل القدرة أن يذكر في الأفعال التي يشق على الناس إتيانها قال تعالى ( لا يقدرون على شيء مما كسبوا ) وقال ( بلى قادرين على أن نسوي بنانه ) فقوله ( على حرد قادرين ) على هذا الاحتمال من باب قولهم : فلان لا يملك إلا الحرمان أو لا يقدر إلا على الخيبة