قال جمع من المفسرين المراد بالحلاف المهين : الوليد بن المغيرة وقال بعضهم : الأخنس بن شريق وقال آخرون : الأسود بن عبد يغوث ومن المفسرين من قال المراد : أبو جهل وإنما عنوا أن المراد التعريض بواحد من هؤلاء وإلا فإن لفظ ( كل ) المفيد للعموم لا يسمح بأن يراد النهي عن واحد معين وأما هؤلاء فلعل أربعتهم اشتركوا في معظم هذه الأوصاف فهم ممن أريد بالنهي عن إطاعته ومن كان على شاكلتهم من أمثالهم .
A E وليس المراد من جمع هذه الخلال بل من كانت له واحدة منها والصفة الكبيرة منها هي التكذيب بالقرآن الذي ختم بها قوله ( الذي تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ) لكن الذي قال في القرآن ( إنه أساطير الأولين ) هو الوليد بن المغيرة فهو الذي اختلف هذا البهتان في قصة معلومة فلما تلقف الآخرون منه هذا البهتان وأعجبوا به أخذوا يقولونه فكان جميعهم ممن يقوله ولذلك أسند الله إليهم هذا القول في آية ( وقالوا أساطير الأولين ) .
وذكرت عشر خلال من مذامهم التي تخلقوا بها : الأولى حلاف والحلاف : المكثر من الأيمان على وعوده وأخباره وأحسب أنه أريد به الكناية عن عدم المبالاة بالكذب وبالأيمان الفاجرة فجعلت صيغة المبالغة كناية عن تعمد الحنث وإلا لم يكن ذمه بهذه المثابة ومن المفسرين من جعل ( مهين ) قيدا ل ( حلاف ) على جعل النهي عن طاعة صاحب الوصف مجتمعين .
( مهين [ 10 ] ) هذه خصلة ثانية وليست قيدا لصفة ( حلاف ) .
والمهين : بفتح الميم فعيل من مهن بمعنى حقر وذل فهو صفة مشبهة وفعله مهن بضم الهاء وميمه أصلية وياؤه زائدة وهو فعيل بمعنى فاعل أي لا تطع الفاجر الحقير . وقد يكون ( مهين ) هنا بمعنى ضعيف الرأي والتمييز وكل ذلك من المهانة .
و ( مهين ) : نعت ل ( حلاف ) وكذلك بقية الصفات إلى ( زنيم ) فهو نعت مستقل . وبعضهم جعله قيدا ل ( حلاف ) وفسر المهين بالكذاب أي في حلفه .
( هماز ) الهماز كثير الهمزة . وأصل الهمز : الطعن بعود أو يد وأطلق على الأذى بالقول في الغيبة على وجه الاستعارة وشاع ذلك حتى صار كالحقيقة وفي التنزيل ( ويل لكل همزة ) .
وصيغة المبالغة راجعة إلى قوة الصفة فإذا كان أذى شديدا فصاحبه هماز وإذا تكرر الأذى فصاحبه هماز .
( مشاء بنميم [ 11 ] ) المشاء بالنميم : الذي ينم بين الناس ووصفه بالمشاء للمبالغة . والقول في هذه المبالغة مثل القول في ( هماز ) وهذه رابعة المذام .
والمشي : استعارة لتشويه حاله بأنه يتجشم المشقة لأجل النميمة مثل ذكر السعي في قوله تعالى ( ويسعون في الأرض فسادا ) . ذلك أن أسماء الأشياء المحسوسة أشد وقعا في تصور السامع من أسماء المعقولات فذكر المشي بالنميمة فيه تصوير لحال النمام ألا ترى أن قولك : قطع رأسه أوقع في النفس من قولك : قتل . ويدل لذلك أنه وقع مثله في قول النبي A " وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة " .
والنميم : اسم مرادف للنميمة وقيل : النميم جمع نميمة أي اسم جمع لنميمة إذا أريد بها الواحدة وصيرورتها اسما .
( مناع للخير ) هذه مذمة خامسة .
( مناع ) : شديد المنع . والخير : المال أي شحيح والخير من أسماء المال قال تعالى ( وإنه لحب الخير لشديد ) وقال ( إن ترك خيرا ) وقد روعي تماثل الصيغة في هذه الصفات الأربع وهي " حلف هماز مشاء مناع " وهو ضرب من محسن الموازنة .
والمراد بمنع الخير : منعه عمن أسلم من ذويهم وأقاربهم يقول الواحد منهم لمن أسلم من أهله أو مواليه : من دخل منكم في دين محمد لا أنفعه بشيء أبدا وهذه شنشنة عرفوا بها من بعد قال الله تعالى في شن المنافقين ( هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ) . وأيضا فمن منع الخير ما كان أهل الجاهلية يعطون العطاء للفخر والسمعة فلا يعطون الضعفاء وإنما يعطون في المجامع والقبائل قال تعالى ( ولا تحضون على طعام المسكين ) . قيل : كان الوليد ابن المغيرة ينفق في الحج في كل حجة عشرين ألفا يطعم أهل منى ولا يعطي المسكين درهما واحدا .
( معتد أثيم [ 12 ] ) هما سادسة وسابعة قرن بينهما لمناسبة الخصوص والعموم .
والاعتداء : مبالغة في العدوان فالافتعال فيه للدلالة على الشدة