والفاء في ( فيدهنون ) للعطف والتسبب عن جملة ( لو تدهن ) جوابا لمعنى التمني المدلول علي بفعل ( ودوا ) بل قصد بيان سبب ودادتهم ذلك فلذلك لم ينصب الفعل بعد الفاء بإضمار ( أن ) لأن فاء المتسبب كافية في إفادة ذلك فالكلام بتقدير مبتدأ محذوف تقديره : فهم يدهنون . وسلك هذا الأسلوب ليكون الاسم المقدر مقدما على الخبر الفعلي فيفيد معنى الاختصاص أي فالإدهان منهم لا منك أي فاترك الإدهان لهم ولا تتخلق أنت به . وهذه طريقة في الاستعمال إذا أريد بالترتبات أنه ليس تعليق جواب كقوله تعالى ( فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا ) أي فهو لا يخاف بخسا ولا رهقا .
وحرف ( لو ) يحتمل أن يكون شرطيا ويكون فعل ( تدهن ) شرطا وأن يكون جواب الشرط محذوفا ويكون التقدير : لو تدهن لحصل لهم ما يودون . ويحتمل أن يكون ( لو ) حرفا مصدريا على رأي طائفة من علماء العربية أن ( لو ) يأتي حرفا مصدريا مثل ( أن ) فقد قال بذلك الفراء والفارسي والتبريزي وابن مالك فيكون التقدير : ودوا إدهانك .
ومفعول ( ودوا ) محذوف دل عليه ( لو تدهن ) أو هو المصدر بناء على أن ( لو ) تقع حرفا مصدريا وتقدم في قوله تعالى ( يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ) في سورة البقرة . وقد يفيد موقع الفاء تعليلا لمودتهم منه أن يدهن أي ودوا ذلك منك لأنهم مدهنون وصاحب النية السيئة يود أن يكون الناس مثله .
( ولا تطع كل حلاف ) إعادة فعل النهي عن الطاعة لمن هذه صفاتهم للاهتمام بهذا الأدب فلم يكتف بدخول أصحاب هذه الأوصاف في عموم المكذبين ولا بتخصيصهم بالذكر بمجرد عطف الخاص على العام بأن يقال : ولا كل حلاف بل جيء في جانبهم بصيغة نهي أخرى مماثلة للأولى .
وليفيد تسليط الوعيد الخاص وهو في مضمون قوله ( سنسمه على الخرطوم ) على أصحاب هذه الصفات الخاصة زيادة على وعيد المكذبين .
وقريب منه قول الحارث بن همام السيباني : .
أيا ابن زيابة إن تلقني ... لا تلقني في النعم العازب .
وتلقني يشتد بي أجرد ... مستقدم البركة كالراكب فلم يكتف بعطف : ب ( بل ) أو ( لكن ) بأن يقول : بل تلقني يشتد بي أجرد أو لكن تلقني يشتد بي أجرد وعدل عن ذلك فأعاد فعل ( تلقني ) .
وكلمة ( كل ) موضوعة لإفادة الشمول والإحاطة لأفراد الاسم التي تضاف هي إليه فهي هنا تفيد النهي العام عن طاعة كل فرد من أفراد أصحاب هذه الصفات التي أضيف إليها ( كل ) بالمباشرة وبالنعوت .
وقد وقعت كلمة ( كل ) معمولة للفعل الداخلة عليه أداة النهي ولا يفهم منه أن النهي منصب إلى طاعة من اجتمعت فيه هذه الصفات بحيث لو أطاع بعض أصحاب هذه الصفات لم يكن مخالفا للنهي إذ لا يخطر ذلك بالبال ولا يجري على أساليب الاستعمال بل المراد النهي عن طاعة كل موصوف بخصلة من هذه الخصال بله من اجتمع له عدة منها .
وفي هذا ما يبطل ما أصله الشيخ عبد القادر في دلائل الإعجاز من الفرق بين أن تقع ( كل ) في حيز النفي أي أو النهي فتفيد ثبوت الفعل أو الوصف لبعض مما أضيف إليه ( كل ) إن كانت ( كل ) مسندا إليها أو تفيد تعلق الفعل أو الوصف ببعض ما أضيف إليه ( كل ) إن كانت معمولة للمنفي أو المنهي عنه وبين أن تقع ( كل ) في غير حيز النفي وجعل رفع لفظ ( كله ) في قول أبي النجم : .
قد أصبحت أم الخيار تدعي ... علي ذنبا كله لم أصنع متعينا لأنه لو نصبه لأفاد تنصله من أن يكون صنع مجموع ما ادعته عليه من الذنوب فيصدق بأنه صنع بعض تلك الذنوب وهو لم يقصد ذلك كما صرح بإبطاله العلامة التفتزاني في المطول واستشهد للإبطال بقوله تعالى ( والله لا يحب كل كفار أثيم ) وقوله ( ولا تطع كل حلاف مهين ) .
وأجريت على المنهي عن الإطاعة بهذه الصفات الذميمة لأن أصحابها ليسوا أهلا لأن يطاعوا إذ لا ثقة بهم ولا يأمرون إلا بسوء