فماء هذه الآبار هو الماء الذي أنذروا به بأنه يصبح غورا وهذا الإنذار نظير الواقع في سورة القلم ( إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة ) إلى قوله ( لو كانوا يعلمون ) .
والغور : مصدر غارت البئر إذا نزح ماؤها فلم تنله الدلاء .
والمراد : ماء البير كما في قوله ( أو يصبح ماؤها غورا ) في ذكر جنة سورة الكهف .
وأصل الغور : ذهاب الماء في الأرض مصدر غار الماء إذا ذهب في الأرض . والإخبار به عن الماء من باب الوصف بالمصدر للمبالغة مثل : عدل ورضى . والمعين : الظاهر على وجه الأرض والبئر المعينة : القريبة الماء على وجه التشبيه .
والاستفهام في قوله ( فمن يأتيكم بماء ) استفهام إنكاري أي لا يأتيكم أحد بماء معين : أي غير الله وأكتفي عن ذكره لظهوره من سياق الكلام ومن قوله قبله ( أمن هذا هو الذي جند لكم ينصركم من دون الرحمن ) الآيتين .
وقد أصيبوا بقحط شديد بعد خروج النبي A إلى المدينة وهو المشار إليه في سورة الدخان . ومن المعلوم أن انحباس المطر يتبعه غور مياه الآبار لأن استمدادها من الماء النازل على الأرض قال تعالى ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ) وقال ( وأن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وأن منها لما يشقق فيخرج منه الماء ) .
ومن النوادر المتعلقة بهذه الآية ما أشار إليه في الكشاف مع ما نقل عنه في بيانه قال : وعن بعض الشطار " هو محمد بن زكريا الطبيب كما بينه المصنف فيما نقل عنه " أنها " أي هذه الآية " تليت عنده فقال تجيء به " أي الماء " الفؤوس والمعاول فذهب ماء عينيه . نعوذ بالله من الجرأة على الله وعلى آياته . والله أعلم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة القلم .
سميت هذه السورة في معظم التفاسير وفي صحيح البخاري ( سورة ن والقلم ) على حكاية اللفظين الواقعين في أولها أي سورة هذا اللفظ .
وترجمها الترمذي في جامعه وبعض المفسرين سورة ( ن ) بالاقتصار على الحرف المفرد الذي افتتحت به مثل ما سميت سورة ( ص ) وسورة ( ق ) .
وفي بعض المصاحف سميت ( سورة القلم ) وكذلك رأيت تسميتها في مصحف مخطوط بالخط الكوفي في القرن الخامس .
وهي مكية قال ابن عطية : لا خلاف في ذلك بين أهل التأويل .
وذكر القرطبي عن الماوردي : أن ابن عباس وقتادة قالا : أولها مكي إلى قوله ( على الخرطوم ) ومن قوله ( إنا بلوناهم ) إلى ( لو كانوا يعلمون ) مدني ومن قوله ( إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم ) إلى قوله ( فهم يكتبون ) مكي ومن قوله ( فاصبر لحكم ربك ) إلى قوله ( من الصالحين ) مدني ومن قوله ( وإن يكاد الذين كفروا ) إلى آخر السورة مكي .
وفي الإتقان عن السخاوي : أن المدني منها من قوله ( إنا يلوناهم ) إلى ( لو كانوا يعلمون ) ومن قوله ( فاصبر لحكم ربك ) إلى قوله ( من الصالحين ) فلم يجعل قوله ( إن للمتقين عند ربهم ) إلى قوله ( فهم يكتبون ) مدنيا خلافا لما نسبه الماوردي إلى ابن عباس .
وهذه السورة عدها جابر بن زيد ثانية السور نزولا قال : نزلت بعد سورة ( اقرأ باسم ربك ) وبعدها سورة المزمل ثم سورة المدثر والأصح حديث عائشة " أن أول ما أنزل سورة اقرأ باسم ربك ثم فتر الوحي ثم نزلت سورة المدثر ) .
A E وما في حديث جابر بن عبد الله " أن سورة المدثر نزلت بعد فترة الوحي " يحمل على أنها نزلت بعد سورة ( اقرأ ياسم ربك ) جمعا بينه وبين حديث عائشة Bها .
وفي تفسير القرطبي : أن معظم السورة نزل في الوليد بن المغيرة وأبي جهل .
واتفق العادون على عد آيها ثنتين وخمسين .
أغراضها .
جاء في هذه السورة بالإيماء بالحرف الذي في أولها إلى تحدي المعاندين بالتعجيز عن الإتيان بمثل سور القرآن وهذا أول التحدي الواقع في القرآن إذ ليس في سورة العلق ولا في المزمل ولا في المدثر إشارة إلى التحدي ولا تصريح .
وفيها إشارة إلى التحدي بمعجزة الأمية بقوله ( والقلم وما يسطرون ) .
وابتدئت بخطاب النبي A تأنيسا له وتسلية عما لقيه من أذى المشركين .
وإبطال مطاعن المشركين في النبي A .
وإثبات كمالاته في الدنيا والآخرة وهديه وضلال معانديه وتثبيته