والعذاب المذكور هنا ما عبر عنه بالوعد في الآية قبلها .
وتنكير ( عذاب ) للتهويل .
والمراد ب ( الكافرين ) جميع الكافرين فيشمل المخاطبين .
والكلام بمنزلة التذييل وفيه حذف تقديره : من يجيركم من عذاب فإنكم كافرون ولا مجير للكافرين .
وذكر وصف ( الكافرين ) لما في من الإيماء إلى علة الحكم لأنه وصف إذا علق به حكم أفاد تعليل ما منه اشتقاق الوصف .
وقرأ الجمهور بفتحة على ياء ( أهلكني ) وقرأها حمزة بإسكان الياء .
وقرأ الجمهور ياء ( معي ) بفتحة . وقرأها أبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي بسكون الياء .
( قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلل مبين [ 29 ] ) هذا تكرير ثالث لفعل ( قل ) من قوله ( قل هو الذي أنشأكم ) الآية .
وجاء هذا الأمر بقول يقوله لهم بمناسبة قوله ( أو رحمنا ) فأنه بعد أن سوى بين فرض إهلاك المسلمين وإحيائهم في أن أي الحالين فرض لا يجيرهم معه أحد من العذاب أعقبه بأن المسلمين آمنوا بالرحمن فهم مظنة أن تتعلق بهم هذه الصفة فيرحمهم الله في الدنيا والآخرة فيعلم المشركون علم اليقين أي الفريقين في ضلال حين يرون أثر الرحمة على المسلمين وانتفاءه عن المشركين في الدنيا وخاصة في الآخرة .
وضمير ( هو ) عائد إلى الله تعالى الواقع في الجملة قبله أي الله هو الذي وصفه ( الرحمن ) فهو يرحمنا وأنكم أنكرتم هذا الاسم فأنتم أحرياء بأن تحرموا آثار رحمته . ونحن توكلنا عليه دون غيره غركم عزكم وجعلتم الأصنام معتمدكم ووكلاءكم .
وبهذه التوطئة يقع الإيماء إلى جانب المهتدي والجانب الضال من قوله ( فستعلمون من هو في ضلال مبين ) لأنه يظهر بادئ تأمل أن الذين في ضلال مبين هم الذين جحدوا وصف ( الرحمن ) وتوكلوا على الأوثان .
و ( من ) موصولة وما صدق ( من ) فريق مبهم متردد من فريقين تضمنها قوله ( إن أهلكني الله ومن معي ) وقوله ( فمن يجير الكافرين ) فأحد الفريقين فريق النبي A ومن معه والآخر فريق الكافرين أي فستعلمون اتضاح الفريق الذي هو في ضلال مبين .
وتقديم معمول ( توكلنا ) عليه لإفادة الاختصاص أي توكلنا عليه دن غيره تعريضا بمخالفة حال المشركين إذ توكلوا على أصنامهم وأشركوا في التوكل مع الله أو نسوا التوكل على الله باشتغال فكرتهم بالتوجه إلى الأصنام .
وإنما لم يقدم معمول ( آمنا ) عليه فلم يقل : به آمنا لمجرد الاهتمام إلى الإخبار عن إيمانهم بالله لوقوعه عقب وصف الآخرين بالكفر في قوله ( فمن يجير الكافرين من عذاب أليم ) فإن هذا جواب آخر على تمنيهم له الهلاك وسلك به طريق التبكيت أي هو الرحمان يجيرنا من سوء ترومونه لنا لأننا آمنا به ولم نكفر به كما كفرتم فلم يكن المقصود في إيراده نفي الإشراك وإثبات التوحيد إذ الكلام في الإهلاك والإنجاء المعبر عنه ب ( رحمنا ) فجيء بجملة ( آمنا ) على أصل مجرد معناها دون قصد الاختصاص بخلاف قوله ( وعليه توكلنا ) لأن التوكل يقتضي منجيا وناصرا والمشركون متوكلون على أصنامهم وقوتهم وأموالهم فقيل : نحن لا نتكل ما أنتم متوكلون عليه بل على الرحمن وحده توكلنا .
A E وفعل ( فستعلمون ) معلق عن العمل لمجيء الاستفهام بعده .
وقرأ الجمهور ( فستعلمون ) بتاء الخطاب على أنه مما أمر بقوله الرسول A . وقرأه الكسائي بياء الغائب على أن يكون إخبارا من الله لرسوله بأنه سيعاقبهم عقاب الضالين .
( قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين [ 30 ] ) إيماء إلى أنهم يترقبهم عذاب الجوع بالقحط والجفاف فإن مكة قليلة المياه ولم تكن بها عيون ولا آبار قبل زمزم كما دل عليه خبر تعجب القافلة من " جرهم " التي مرت بموضع مكة حين أسكنها إبراهيم عليه السلام هاجر بابنه إسماعيل ففجر الله لها زمزم ولمحت القافلة الطير تحوم حول مكانها فقالوا : ما عهدنا بهذه الأرض ماء ثم حفر ميمون بن خالد الحضرمي بأعلاها بئرا تسمى بئر ميمون في عهد الجاهلية قبيل البعثة وكانت بها بئر أخرى تسمى الجفر " بالجيم " لبني تيم بن مرة وبئر تسمى الجم ذكرها ابن عطية وأهملها القاموس وتاجه ولعل هاتين البئرين الأخيرتين لم تكونا في عهد النبي A