( قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكفرين من عذاب أليم [ 28 ] ) هذا تكرير ثان لفعل ( هو الذي أنشأكم ) .
كان من بذاءة المشركين أن يجهروا بتمني هلاك رسول الله A وهلاك من معه من المسلمين وقد حكى القرآن عنهم ( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ) وحكى عن بعضهم ( ويتربص بكم الدوائر ) وكانوا يتآمرون على قتله قال تعالى ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك ) فأمره الله بأن يعرفهم حقيقة تدحض أمانيهم وهي أن موت أحد أو حياته لا يغني عن غيره ما جره إليه عمله وقد جرت إليهم أعمالهم غضب الله ووعيده فهو نائلهم حيي الرسول A أو بادره المنون قال تعالى ( فأما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون ) وقال ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون ) وقال ( إنك ميت وإنهم ميتون ) أي المشركين وقد تكرر هذا المعنى وما يقاربه في القرآن وينسب إلى الشافعي : .
تمنى رجال أن أموت فإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد فقد يكون نزول هذه الآيات السابقة صادف مقالة من مقالاتهم هذه فنزلت الآية في أثنائها وقد يكون نزولها لمناسبة حكاية قولهم ( متى هذا الوعد ) بأن قارئه كلام بذيء مثل أن يقولوا : أبعد هلاكك يأتي الوعد . د والإهلاك : الإماتة ومقابلة ( أهلكني ) ب ( رحمنا ) يدل على أن المراد : أو رحمنا بالحياة فيفيد أن الحياة رحمة وأن تأخير الأجل من النعم وإنما لم يؤخر الله أجل نبيه A مع أنه أشرف الرسل لحكم أرادها كما دل عليه قوله " حياتي خير لكم وموتي خير لكم " ولعل حكمة ذلك أن الله أكمل الدين الذي أراد إبلاغه فكان إكماله يوم الحج الأكبر من سنة ثلاث وعشرين من البعثة وكان استمرار نزول الوحي على النبي A خصيصية خصت الله بها من بين الأنبياء فلما أتم الله دنينه ربا برسوله A أن يبقى غير متصل بنزول الوحي فنقله الله إلى الاتصال بالرفيق الأعلى مباشرة بلا واسطة وقد أشارت إلى هذا سورة ( إذا جاء نصر الله ) من قوله ( ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره ) ولله در عبد بني الحسحاس في عبرته بقوله : .
رأيت المنايا لم يدعن محمدا ... ولا باقيا إلا له الموت مرصدا وقد عوضه الله تعالى بحياة أعلى وأجل إذ قال ( ورفعنا لك ذكرك ) وبالحياة الأبدية العاجلة وهي أنه يرد عليه روحه الزكية كلما سلم عليه أحد فيرد عليه السلام كما ثبت بالحديث الصحيح .
وإنما سمى الحياة رحمة له ولمن معه لأن في حياته نعمة له وللناس ما دام الله مقدرا حياته وحياة المؤمن رحمة لأنه تكثر له فيها بركة الإيمان والأعمال الصالحة .
والاستفهام في ( أرأيتم ) إنكاري أنكر اندفاعهم إلى أمنيات ورغائب لا يجتنون منها نفعا ولكنها مما تمليه عليهم النفوس الخبيثة من الحقد والحسد .
A E والرؤيا علمية وفعلها معلق عن العمل فلذلك لم يرد بعده مفعولاه وهو معلق بالاستفهام الذي هو في جملة جواب الشرط فتقدير الكلام : أرأيتم أنفسكم ناجين من عذاب أليم إن هلكت وهلك من معي فهلاكنا لا يدفع عنكم العذاب المعد للكافرين .
وأقحم الشرط بين فعل الرؤيا وما سد مسد مفعوليه .
والفاء في قوله ( فمن يأتيكم ) رابطة الجواب الشرط لأنه لما وقع بعد ما أصله المبتدأ والخبر وهو المفعولان المقدران رجح جانب الشرط .
والمعية في قوله ( ومن معي ) معية مجازية وهي الموافقة والمشاركة في الاعتقاد والدين كما في قوله تعالى ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار ) الآية أي الذين آمنوا معه وقوله ( والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم ) كما أطلقت الموافقة على الرأي والفهم في قول أبي هريرة " أنا مع ابن أخي " يعني موافق لأبي سلمة بن عبد الرحمان وذلك حين اختلف أبو سلمة وابن عباس في المتوفي عنها الحامل إذا وضعت حملها قبل مضي عدة الوفاة .
والاستفهام بقوله ( فمن يجير الكافرين ) الخ إنكاري أي لا يجيرهم منه مجير أي أظننتم أن تجدوا مجيرا لكم إذا هلكنا فذلك متعذر فماذا ينفعكم هلاكنا