ومن بدائع الأجوبة أن أحد الأمراء من الشيعة سأل أحد علماء السنة : من أفضل الناس بعد رسول الله A ؟ فأجابه : " الذي كانت ابنته تحته " فظن أنه فضل عليا إذ فهم أن الضمير المضاف إليه " ابنة " ضمير رسول الله A وأن الضمير المضاف إليه " تحت " ضمير اسم الموصول وإنما أراد السني العكس بأن يكون ضمير " ابنته " ضمير الموصول " تحته " ضمير رسول الله A وذلك هو أبو بكر .
وقد ظهر أن المراد بالعبدين نوح ولوط وإنما خصا بوصف " عبدين صالحين " مع أن وصف النبوة من وصف الصلاح تنويها بوصف الصلاح وإيماء إلى أن النبوة صلاح ليعظم شأن الصالحين كما في قوله تعالى ( وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ) . ولتكون الموعظة سارية إلى نساء المسلمين في معاملتهن أزواجهن فإن وصف النبوة قد انتهى بالنسبة للامة الإسلامية مع ما في ذلك من تهويل الأذى لعباد الله الصالحين وعناية ربهم بهم ومدافعته عنهم .
والخيانة والخون ضد الأمانة وضد الوفاء وذلك تفريط المرء ما أوتمن عليه وما عهد به إليه . وقد جمعها قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ) .
وانتصب ( شيئا ) على المفعولية المطلقة ل ( يغنيا ) لأن المعنى شيئا من الغنى وتنكير ( شيئا ) للتحقير أي عنى وأجحفه بله الغنى المهم وتقدم في قوله تعالى ( إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ) في سورة الجاثية .
وزيادة ( مع الداخلين ) لإفادة مساواتها في العذاب لغيرهما من الكفرة الخونة . وذلك تأييس من أن ينتفعا من حظوة زوجهما كقوله تعالى ( ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين شركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ) .
( وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين [ 11 ] ) لما ضرب المثل للذين كفروا أعقب بضرب مثل للذين آمنوا لتحصل المقابلة فيتضح مقصود المثلين معا وجريا على عادة القرآن في إتباع الترهيب بالترغيب .
وجعل المثل للذين آمنوا بحال امرأتين لتحصل المقابلة للمثلين السابقين فهذا مراعاة النظير في المثلين .
وجاء أحد المثلين للذين آمنوا لإخلاص الإيمان . والمثل الثاني لشدة التقوى .
فكانت امرأة فرعون مثلا لمتانة المؤمنين ومريم مثلا للقانتين لأن المؤمنين تبرأوا من ذوي قرابتهم الذي بقوا على الكفر بمكة .
وامرأة فرعون هذه هي امرأة فرعون الذي أرسل إليه موسى وهو منفطح الثالث وليست امرأة فرعون التي تبنت موسى حين التقطته من اليم لأن ذلك وقع في زمن فرعون رعمسيس الثاني وكان بين الزمنين ثمانون سنة . ولم يكن عندهم علم بدين قبي أي يرسل إليهم موسى .
ولعل امرأة فرعون هذه كانت من بنات إسرائيل تزوجها فرعون فكانت مؤمنة برسالة موسى عليه السلام . وقد حكى بعض المفسرين أنها عمة موسى أو تكون هداها الله إلى الإيمان كما هدى الرجل المؤمن من آل فرعون الذي تقدم ذكره في سورة غافر . وسماها النبي A آسية في قوله " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون " رواه البخاري .
وأرادت بعمل فرعون ظلمه أي نجني من تبعه أعماله فيكون معنى " نجني من فرعون " من صحبته طلبت لنفسها فرجا وهو عطف الخاص على العام .
ومعنى ( قالت ) أنها أعلنت به فقد روى أن فرعون اطلع عليها وأعلن ذلك لقومه وأمر بتعذيبها فماتت في تعذيبه ولم تحس ألما .
والقوم الظالمون : هم قوم فرعون . وظلمهم : إشراكهم بالله .
والظاهر أن قولها ( ابن لي عندك بيتا في الجنة ) مؤذن بأن فرعون وقومه صدوها عن الإيمان به وزينوا لها أنها آمنت بموسى تضيع ملكا عظيما وقصرا فخيما أو أن فرعون وعظها بأنها أصرت على ذلك تقتل فلا يكون مدفنها الهرم الذي بناه فرعون لنفسه لدفنه في بادئ الملوك . ويؤيد هذا ما رواه المفسرون أن بيتها في الجنة من درة واحدة فتكون مشابهة الهرم الذي كان معدا لحفظ جثتها بعد موتها وزوجها . فقولها ذلك كقول السحرة الذين آمنوا جوابا عن تهديد فرعون ( لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا ما أنت قاض ) الآية في سورة طه .
A E