وجملة ( يقولون ربنا أتمم لنا نورنا ) إلى آخرها حال من ضمير ( نورهم ) وظاهرة أن يكون حالا مقارنة أي يقولون ذلك في ذلك اليوم ودعاؤهم طلب للزيادة من ذلك النور فيكون ضمير ( يقولون ) عائد إلى جميع الذين آمنوا مع النبي A يومئذ أو يقول ذلك من كان نوره أقل من نور غيره ممن هو أفضل منه يومئذ فيكون ضمير ( يقولون ) على إرادة التوزيع على طوائف الذين آمنوا في ذلك اليوم .
وإتمام النور إدامته أو الزيادة منه على الوجهين المذكورين آنفا وكذلك الدعاء بطلب المغفرة لهم هو لطلب دوام المغفرة وذلك كله أدب مع الله وتواضع له مثل ما قبل في استغفار النبي A في اليوم سبعين مرة .
ويظهر بذلك وجه التذييل بقولهم ( إنك على كل شيء قدير ) المشعر بتعليل الدعاء كناية عن رجاء إجابته لهم .
( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير [ 9 ] ) لما أبلغ الكفار ما سيحل بهم في الآخرة تصريحا بقوله ( يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم ) وتعريضا بقوله ( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ) أمر رسوله A بمسمع منهم بأن يجاهدهم ويجاهد المستترين لكفرهم بظاهر الإيمان نفاقا حتى إذا لم تؤثر فيهم الموعظة بعقاب الآخرة يخشون أن يسلط عليهم عذاب السيف في العاجلة فيقلعوا عن الكفر فيصلح نفوسهم وإنما أمر رسوله A بذلك لأن الكفار تألبوا مع المنافقين بعد هجرة النبي A فاتخذوهم عيونا لهم وأيدي يدسون بها الأذى للنبي A وللمؤمنين .
فهذا نداء ثان للنبي A يأمره بإقامة صلاح عموم الأمة بتطهيرها من الخبثاء بعد أن أمره بإفاقة من عليهما الغفلة عن شيء من واجب حسن المعاشرة مع الزوج .
وجهاد الكفر ظاهر وأما عطف ( المنافقين ) على ( الكفار ) المفعول ل ( جاهد ) فيقتضي أن النبي A مأمور بجهاد المنافقين وكان حال المنافقين ملتبسا إذ لم يكن أحد من المنافقين معلنا بالكفر ولا شهد على أحد منهم بذلك ولم يعين الله لرسوله A منافقا يوقن بنفاقه وكفره أو أطلعه خاصا ولم يأمره بإعلانه بين المسلمين كما يؤخذ ذلك من أخبار كثيرة في الآثار .
فتعين تأويل عطف ( المنافقين ) على ( الكفار ) إما بأن يكون فعل ( جاهد ) مستعملا في حقيقته ومجازة وهما الجهاد بالسيف والجهاد بإقامة الحجة والتعريض للمنافق بنفاقه فإن ذلك يطلق عليه الجهاد مجازا كما في قوله A " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " وقوله للذي سأله الجهاد فقال له : " ألك أبوان ؟ قال : نعم : ففيهما فجاهد " .
وعندي أن الأقرب في تأويل هذا العطف أن يكون المراد منه إلقاء الرعب في قلوب المنافقين ليشعروا بأن النبي A والمؤمنين بالمرصاد منهم فلو بدت من أحدهم بادرة يعلم منها نفاقه عومل معاملة الكافر في الجهاد بالقتل والأسر فيحذروا ويكفوا عن الكيد للمسلمين خشية الإفضاح فتكون هذه الآية من قبيل قوله تعالى ( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يحاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما أخذوا وقتلوا تقتيلا ) .
والغلظة : حقيقتها صلابة الشيء وهي مستعارة هنا للمعاملة بالشدة بدون عفو ولا تسامح أي كن غليظا أي شديدا في إقامة ما أمر الله به أمثالهم . وتقدم عند قوله تعالى ( وليجدوا فيكم غلظة ) في سورة براءة وقوله ( ولو كنت فظا غليظ القلب ) في سورة آل عمران .
والماوى : المسكن وهو مفعل من أوى إذا رجع لأن الإنسان يرجع إلى مسكنه .
( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين [ 10 ] ) A E