ولو عاد التائب إلى بعض الذنوب أو جميعها ما عدا الكفر اختلف فيه علماء الأمة فالذي ذهب إليه أهل السنة أن التوبة تنتقض بالعودة إلى بعض الذنوب في خصوص الذنب المعود إليه ولا تنتقض فيما سواه . وأن العود معصية تجب التوبة منها . وقال المعتزلة تنتقض بالعودة إلى بعض الذنوب فتعود إليه ذنوبه ووافقهم الباقلاني .
وليس في أدلة الكتاب والسنة ما يشهد لأحد الفريقين .
والرجاء المستفاد من فعل ( عسى ) مستعمل في الوعد الصادر عن المتفضل على طريقة الاستعارة وذلك النائب لا حق له في أن يعفى عنه ما اقترفه لأن العصيان قد حصل وإنما التوبة عزم على عدم العودة إلى الذنب ولكن ما لصاحبها من الندم والخوف الذي بعث على العزم دل على زكاء النفس فجعل الله جزاءه أن يمحو عنه ما سلف من الذنوب تفضلا من الله فلذلك معنى الرجاء المستفاد من ( عسى ) .
وقد أجمع علماء الإسلام على أن التوبة من الكفر بالإيمان مقبولة قطعا لكثرة أدلة الكتاب والسنة واختلفوا في تعين قبول توبة العاصي من المؤمنين فقال جمهور أهل السنة قبولها مرحو غير مقطوع وممن قال به الباقلاني وإمام الحرمين . وعن الأشعري أنه مقطوع به سمعا والمعتزلة مقطوع به عقلا .
وتكفير السيئات : غفرانها وهو مبالغة في كفر المخفف المتعدي الذي هو مشتق من الكفر بفتح الكاف أي الستر .
( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير [ 8 ] ) ( يوم ) ظرف متعلق ب ( يدخلكم جنات ) وهو تعليق تخلص إلى الثناء على الرسول A والمؤمنين معه . وهو يوم القيامة وهذا الثناء عليهم بانتفاء خزي الله عنهم تعريض بأن الذين لم يؤمنوا معه يخزيهم الله يوم القيامة وذكر النبي A مع الذين آمنوا لتشريف المؤمنين ولا علاقة له بالتعريض .
والخزي : هو عذاب النار وحكى الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام قوله ( ولا تخزني يوم يبعثون ) على أن انتفاء الخزي يومئذ يستلزم الكرامة إذ لا واسطة بينهما كما أشعر به قوله تعالى ( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ) .
وفي صلة ( الذين آمنوا معه ) إيذان بأن سبب انتفاء الخزي عنهم هو إيمانهم .
ومعية المؤمنين مع النبي A صحبتهم النبي A .
و ( مع ) يجوز تعلقها بمحذوف حال من ( الذين آمنوا ) أي حال كونهم مع الشيء في انتفاء خزي الله عنهم فيكون عموم ( الذين آمنوا ) مخصوصا بغير الذين يتحقق فيهم خزي الكفر وهم الذين ارتدوا وماتوا على الكفر .
وفي هذه الآية دليل على المغفرة لجميع أصحاب النبي A .
ويجوز تعلق ( مع ) بفعل ( آمنوا ) أي الذين آمنوا به وصحبوه فيكون مرادا به أصحاب النبي A الذين آمنوا به ولم يرتدوا بعده فتكون الآية مؤذنة مفصلة للصحابة .
وضمير ( نورهم ) عائد إلى النبي A والذين آمنوا معه .
وإضافة نور إلى ضمير هم مع أنه لم يسبق إخبار عنهم بنور لهم ليست إضافة تعريف إذ ليس المقصود تعريف النور وتعيينه ولكن الإضافة مستعملة هنا في لازم معناها وهو اختصاص النور بهم في ذلك اليوم بحيث يميزه الناس من بين الأنوار يومئذ .
وسعي النور : امتداده وانتشاره . شبه ذلك باشتداد مشي الماشي وذلك أنه يحف بهم حيثما انتقلوا تنويها بشأنهم كما تنشر الأعلام بين يدي الأمير والقائد وكما تساق الجياد بين يدي الخليفة .
وإنما خص بالذكر من الجهات الأمام واليمين لأن النور إذا كان بين أيديهم تمتعوا بمشاهدته وشعروا بأنه كرامة لهم ولأن الأيدي هي التي تمسك بها الأمور النفيسة وبها بايعوا النبي A على الإيمان والنصر . وهذا النور نور حقيقي يجعله الله للمؤمنين يوم القيامة . والباء للملابسة ويجوز أن تكون بمعنى " عن " .
وقد تقدم نظير هذا في سورة الحديد وما ذكرناه هنا أوسع .
A E