ومعنى ( ما كنتم تعملون ) مماثل ( ما كنتم تعملون ) وأفادت " إنما " قصر الجزاء على مماثلة العمل المجرى عليه قصر قلب لتنزيلهم منزلة من اعتذر وطلب أن يكون جزاؤه أهون مما شاهده .
والاعتذار : افتعال مشتق من العذر . ومادة الافتعال فيه دالة على تكلف الفعل مثل الاكتساب والاختلاق والعذر : الحجة التي تبرئ صاحبها من تبعة عمل ما . وليس لمادة الاعتذار فعل مجرد دال على إيجاد العذر وإنما الموجود عذر بمعنى قبل العذر وقد تقدم عند قوله تعالى ( وجاء المعذرون من الأعراب ) في سورة براءة .
( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ) أعيد خطاب المؤمنين وأعيد نداؤهم وهو نداء ثالث في هذه السورة . والذي قبله نداء للواعظين . وهذا نداء للموعوظين وهذا الأسلوب من أساليب الإعراض المهتم بها .
أمر المؤمنون بالتوبة من الذنوب إذا تلبسوا بها لأن ذلك من إصلاح أنفسهم بعد أن أمروا بأن يجنبوا أنفسهم وأهليهم ما يزج بهم في عذاب النار لأن اتقاء النار يتحقق باجتناب ما يرمي بهم فيها وقد يذهلون عما فرط من سيئاتهم فهدوا إلى سبيل التوبة التي يمحون بها ما فرط من سيئاتهم .
وهذا ناظر إلى ما ذكر من موعظة امرأتي النبي A بقوله ( إن تتوبا إلى الله ) .
والتوبة : العزم على عدم العود إلى العصيان مع الندم على ما فرط منه فيما مضى . وتقدمت عند قوله تعالى ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ) في سورة البقرة . وفي مواضع أخرى وخاصة عند قوله تعالى ( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ) في سورة النساء . وتعديتها بحرف " إلى " لأنها في معنى الرجوع لأن " تاب " أخو " ثاب " .
والنصوح : ذو النصح .
والنصح : الإخلاص في العمل . والقول أي الصدق في إرادة النفع بذلك . ووصف التوبة بالنصوح مجاز جعلت التوبة التي لا تردد فيها ولا تخالطها نية العودة إلى العمل المتوب منه بمنزلة الناصح لغيره ففي " نصوح " استعارة وليس من المجاز العقلي إذ ليس المراد نصوحا صاحبها .
وإنما لم تلحق وصف ( نصوح ) هاء التأنيث المناسبة لتأنيث الموصوف به لأن فعولا بمعنى فاعل يلازم الإفراد والتذكير .
وقرأ الجمهور ( نصوحا ) بفتح النون على معنى الوصف كما علمت . وقرأه أبو بكر عن عاصم بضم النون على أنه مصدر " نصح " مثل : القعود من قعد . وزعم الأخفش أن الضم غي معروف والقراءة حجة عليه .
ومن شروط التوبة تدارك ما يمكن تداركه مما وقع التفريط فيه مثل المظالم للقادر على ردها . روي عن علي Bه يجمع التوبة سنة أشياء : الندامة على الماضي من الذنوب وإعادة الفرائض . ورد المظالم واستحلال الخصوم وأن تذيب نفسك في طاعة الله كما ربيتها في المعصية وأن تذيقها مرارة الطاعات كما أذقتها حلاوة المعاصي .
وتقوم مقام رد المظالم استحلال المظلوم حتى يعفو عنه .
ومن تمام التوبة تمكين التائب من نفسه أن ينفذ عليها الحدود كالقود والضرب . قال إمام الحرمين : هذا التمكين واجب خارج عن حقيقة التوبة لأن التائب إذا ندم ونوى أن لا يعود صحت توبته عند الله وكان منعه من تمكين نفسه معصية متجددة تستدعي توبة .
وهو كلام وجيه إذ التمكين من تنفيذ ذلك يشق على النفوس مشقة عظيمة فلها عذر في الإحجام عن التمكين منه .
وتصح التوبة من ذنب دون ذنب خلافا لأبي هاشم الجبائي المعتزلي وذلك فيما عدا التوبة من الكفر .
وأما التوبة من الكفر بالإيمان فصحيحة في غفران إثم الكفر واو بقي متلبسا ببعض الكبائر بإجماع علماء الإسلام .
والذنوب التي تجب منها التوبة هي الكبائر ابتداء وكذلك الصغائر وتمييز الكبائر من الصغائر مسألة أخرى محلها أصول الدين وأصول الفقه والفقه .
إلا أن الله تفضل على المسلمين فغفر الصغائر لمن أجتنب الكبائر أخذ ذلك من قوله تعالى ( الذين سيجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) وقد مضى القول فيه في تفسير سورة النجم .
A E