ومن غرائب المسائل الأدبية المتعلقة بهذه الآية أن الواو في قوله تعالى ( ثيبات وأبكار ) زعمها ابن خالويه واوا لها استعمال خاص ولقبها بواو الثمانية " بفتح المثلثة وتخفيف التحتية بعد النون " وتبعه جماعة ذكروا منهم الحريري والثعلبي النيسابوري المفسر والقاضي الفاضل . أنهم استخرجوا من القرآن أن ما فيه معنى عدد ثمانية تدخل عليه واو ويظهر من الأمثلة التي مثلوا بها أنهم يعتبرون ما دل على أمر معدود بعدد كما فيه سواء كان وصفا مشتقا من عدد ثمانية أو كان ذاتا ثامنة أو كان يشتمل على ثمانية سواء كان مفردا أو كان جملة . فقد مثلوا بقوله تعالى في سورة براء ( التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ) . قالوا لم يعطف الصفات المسرودة بالواو إلا عند البلوغ إلى الصفة الثامنة وهي ( الناهون عن المنكر ) . وجعلوا من هذا القبيل آية سورة التحريم إذ لم يعطف من الصفات المبدوءة بقوله ( مسلمات ) إلا الثامنة وهي ( وأبكارا ) ومثلوا لما فيه بوصف ثامن بقوله تعالى ( ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ) في سورة الكهف . فلم يعطف ( رابعهم ) ولا ( سادسهم ) وعطفت الجملة التي وقع فيها وصف الثامن بواو عطف الجمل . ومثلوا لما فيه كلمة ثمانية بقوله تعالى ( سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوسا ) في سورة الحاقة . ومثلوا لما يشتمل على ثمانية أسماء بقوله تعالى في سورة الزمر ( وسبق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوهم وفتحت أبوابها قالوا جاءت جملة ( وفتحت ) هذه بالواو ولم تجيء أختها المذكورة قبلها وهي ( وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها ) . لأن أبواب الجنة ثمانية .
وترددت كلماتهم في أن هذه الواو من صنف الواو العاطفة يمتاز عن الصنف الآخر يلزم ذكره إذا كان في المعطوف معنى الثامن أو من صنف الواو الزائدة .
وذكر الدماميني في الحواشي الهندية على المغني أنه رأى في تفسير العماد الكندي قاضي الإسكندرية " المتوفى في نحو عشرين وسبعمائة " نسبة القول بإثبات واو الثمانية إلى عبد الله الكفيف المالقي النحوي الغرناطي من علماء غرناطة في مدة الأمير ابن حبوس " بموحدة بعد الحاء المهملة " وهو باديس بن حبوس صاحب غرناطة سنة 420 .
وذكر السهيلي في الروض الأنف عند الكلام على نزول سورة الكهف أنه أفراد الكلام على الواو التي يسميها بعض الناس واو الثمانية بابا طويلا ولم يبد رأيه في إثباتها ولم أقف على الموضع الذي أفرد فيه الكلام عليها . ويظهر أنه غير موافق على إثبات هذا الاستعمال لها . ومن عجب الصدف ما اتفق في هذه الآيات الأربع من مثير شبهه للذين أثبتوا هذا المعنى في معاني الواو . ومن غريب الفطنة تنبه الذي أنبأ بهذا .
وذكر ابن المنير في الانتصاف أن شيخه ابن الحاجب ذكر له أن القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني الكاتب كان يعتقد أن الواو في قوله تعالى ( وأبكارا ) وهي الواو التي سماها بعض ضعفه النحاة واو الثمانية . وكان الفاضل يتبجح باستخراجها زائدة على المواضع الثلاثة المشهورة إلى أن ذكره يوما بحضيرة أبي الجود النحوي المقري فبين لهم أنه واهم في عدها من ذلك القبيل وأحال البيان على المعنى الذي ذكره الزمخشري في دعاء اللزوم إلى الإتيان بالواو هنا لامتناع اجتماع هذين الصنفين في موصوف واحد . فأنصفه الفاضل وقال : أرشدنا يا أبا الجود .
قلت : وأرى أن القاضي الفاضل تعجل التسليم لأبي الجود إذ كان له أن يقول : إنا لم نلتزم أن يكون المعدود الثامن مستقلا أو قسيما لغيره وإنما تتبعنا ما فيه إشعار بعدد ثمانية .
ونقل الطيبي والقزويني في حاشيتي الكشاف أنه روى عن صاحب الكشاف أنه قال : الواو تدخل في الثامن كقوله تعالى ( وثامنهم كلبهم ) وقوله ( وفتحت أبوابها ) ويسمونه واو الثمانية وهي كذلك وليس بشيء . قال الراوي عنه وقد قال لنا عند قراءة هذا الموضع : أنسيتم واو الثمانية عند جوابي هذا " أي يلومهم على إهمالهم ذلك المعنى في تلك الآية " أي هو جواب حسن وذلك خطأ محض لا يجوز أن يؤخذ به اه .
قلت : وهذا يخالف صريح كلامه في الكشاف فلعل الراوي لم يحسن تحرير مراد صاحب الكشاف أو لعل صاحب الكشاف لم ير منافاة بين لزوم ذكر الواوين اقتضاء المقام ذكرها بأن المعطوف بها ثامن في الذكر فإن النكت لا تتزاحم فتأمل بتدقيق .
A E