وهذه الآية إلى قوله ( خيرا منكن ) نزلت موافقة لقول عمر لابنته حفصة Bهما مثل هذا اللفظ وهذا من القرآن الذي نزل وفاقا لقول عمر أو رأيه تنويها بفضله . وقد وردت في حديث في الصحيحين واللفظ للبخاري " عن عمر قال : وافقت ربي في ثلاث : قلت : يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) وقلت : " يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب " فأنزل الله أية الحجاب . وبلغني معاتبة النبي بعض نسائه فدخلت عليهن فقلت : إن انتهيتين أو ليبدلن الله رسوله خيرا منكن فأنزل الله ( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات ) الآية .
وهي موعظة بأن يأذن الله له بطلاقهن وأنه تصير له أزواج خير منهن .
وهذا إشارة إلى المعنى السادس عشر من مواعظ هذه الآي .
A E وقرأ الجمهور ( أن يبدله ) بتسديد الدال مضارع بدل . وقرأه يعقوب بتخفيف مضارع أبدل .
والمسلمات : المتصفات بالإسلام . والمؤمنات : المصدقات في نفوسهن . والقانتات : القائمات بالطاعة أحسن قيام . وتقدم القنوت في قوله تعالى ( وقوموا لله قانتين ) في سورة البقرة . وقوله ( ومن يقنت منكن لله ورسوله ) في سورة الأحزاب .
وفي هذا الوصف إشعار بأنهن مطيعات لله ورسوله ففيه تعريض لما وقع من تقصير إحداهن في ذلك فعاتبها الله وأيقظها للتوبة .
والتائبات : المقلعات عن الذنب إذا وقعن فيه . وفيه تعريض بإعادة التحريض على التوبة من ذنبهما التي أمرتا بها بقوله ( إن تتوبا إلى الله ) .
والعابدات : المقبلات على عبادة الله وهذه الصفات تفيد الإشارة إلى فضل هذه التقوى وهو المعنى السابع عشر من معاني العبرة في هذه الآيات .
والسائحات : المهاجرات وإنما ذكر هذا الوصف لتنبههن على أنهن إن كن يمتن بالهجرة فإن المهاجرات غيرهن كثير والمهاجرات أفضل من غيرهن وهذه الصفة تشير إلى المعنى الثامن عشر من معاني الاعتبار في هذه الآي .
وهذه الصفات انتصبت على أنها نعوت ل ( أزواجا ) ولم يعطف بعضها على بعض بالواو لأجل التنصيص على ثبوت جميع تلك الصفات لكل واحدة منهن ولو عطفت بالواو لاحتمل أن تكون الواو للتقسيم أي تقسيم الأزواج إلى من يثبت لهن بعض تلك الصفات دون بعض ألا ترى أنه لما أريدت إفادة ثبوت إحدى صفتين دون أخرى من النعتين الواقعين بعد ذلك كيف عطف بالواو قوله ( وأبكارا ) لأن الثيبات لا يوصفن بأبكار . والأبكار لا يوصفن بالثيبات . قلت وفي قوله تعالى ( مسلمات ) إلى قوله ( سائحات ) محسن الكلام المتزن إذ يلتثم من ذلك بيت من بحر الرمل التام : .
فاعلتن فاعلتن فاعلتن ... فاعلاتن فاعلاتن فاعلتن ووجه هذا التفصيل في الزوجات المقدرات لأن كلتا الصفتين محاسنها عند الرجال ؛ فالثيب أرعى لواجبات الزوج وأميل مع أهوائه وأقوم على بيته وأحسن لعابا وأبهى زينة وأحلى غنجا .
والبكر أشد حياء وأكثر غرارة ودلا وفي ذلك مجلبة للنفس والبكر لا تعرف رجلا قبل زوجها ففي نفوس الرجال خلق من التنافس في المرأة التي لم يسبق إليها غيرهم .
فما اعتزت واحدة من أزواج النبي A بمزية إلا وقد أنبأها الله بأن سيبدله خيرا منها في تلك المزية أيضا .
وهذا هو المعنى التاسع عشر من معاني الموعظة والتأديب في هذه الآيات .
وتقديم وصف ( ثيبات ) لأن أكثر أزواج النبي A لما تزوجهن كن ثيبات . ولعله إشارة إلى أن الملام الأشد موجه إلى حفصة قبل عائشة وكانت حفصة ممن تزوجهن ثيبات وعائشة هي التي تزوجها بكرا . وهذا التعريض أسلوب من أساليب التأديب كما قيل " الحر تكفيه الإشارة " .
وهذا هو المعنى العشرون من مغزى آداب هذه الآيات .
A E