وقوله ( والملائكة بعد ذلك ظهير ) عطف جملة على التي قبلها والمقصود منه تعظيم هذا النصر بوفرة الناصرين تنويها بمحبة أهل السماء للنبي A وحسن ذكره بينهم فإن ذلك مما يزيد نصر الله إياه شأنا .
وفي الحديث " إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إني قد أحببت فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في أهل السماء إن الله قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في أهل الأرض " .
A E فالمراد بأهل الأرض فيه المؤمنون الصالحون منهم لأن الذي يحبه الله يحبه لصلاحه والصالح لا يحبه أهل الفساد والضلال . فهذه الآية تفسيرها ذلك الحديث .
وهذا المعنى الثالث عشر من معاني التعليم التي حوتها الآيات .
وقوله ( بعد ذلك ) اسم الإشارة فيه للمذكور أي بعد نصر الله وجبريل وصالح المؤمنين .
وكلمة ( بعد ) هنا بمعنى " مع " فالبعدية هنا بعدية في الذكر كقوله ( عتل بعد ذلك زنيم ) .
وفائدة ذكر الملائكة بعد ذكر تأييد الله وجبريل وصالح والمؤمنين أن المذكورين قبلهم ظاهره آثار تأييدهم بوحي الله للنبي A بواسطة جبريل ونصره إياه بواسطة المؤمنين فنبه الله المرأتين على تأييد آخر غير ظاهرة آثاره وهو تأييد الملائكة بالنصر في يوم بدر وغير النصر من الاستغفار في السماوات فلا يتوهم أحد أن هذا يقتضي تفضيل نصرة الملائكة على نصرة جبريل بله نصرة الله تعالى .
و ( ظهير ) وصف بمعنى المظاهر أي المؤيد وهو مشتق من الظهر فهو فعيل بمعنى فمفاعل مثل حكيم بمعنى محكم كما تقدم آنفا في قوله ( وإن تظاهرا عليه ) وفعيل الذي ليس بمعنى مفعول أصله أن يطابق موصوفه في الإيراد وغيره فإن كان هنا خبرا عن الملائكة كما هو الظاهر كان إفراده على تأويل جمع الملائكة بمعنى الفوج المظاهر أو هو من إجراء فعيل الذي بمعنى فاعل مجرى فعيل بمعنى مفعول . كقوله تعالى ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) وقوله ( وكان الكافر على ربه ظهيرا ) وقوله ( وحسن أولئك رفيقا ) وإن كان خبرا عن جبريل كان ( صالح المؤمنين والملائكة ) عطفا على جبريل وكان قوله ( بعد ذلك ) حالا من الملائكة .
وفي الجمع بين ( أظهره الله عليه ) وبين ( وإن تظاهره عليه ) وبين ( ظهير ) تجنيسات .
( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا [ 5 ] ) ليس هذا مما يتعلق بالشرط في قوله ( وإن تظاهرا عليه ) بل هو كلام مستأنف عدل به إلى تذكير جميع أزواجه بالحذر من أن يضيق صدره عن تحمل أمثال هذا الصنيع فيفارقهن لتقلع المتلبسة وتحذر غيرها من مثل فعلها .
فالجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا عقبت بها جملة ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ) التي أفادت التحذير من عقاب في الآخرة إن لم تتوبا مما جرى منهما في شأن رسول الله A أفاد هذا الإيماء إلى التحذير من عقوبة دنيوية لهم يأمر الله فيها نبيه A وهي عقوبة الطلاق عليه ما يحصل من المؤاخذة في الآخرة إن لم تتوبا ولذلك فصلت عن التي قبلها لاختلاف الغرضين .
وفي قوله ( عسى ربه إن طلقكن ) إيجاز بحذف ما يترتب عليه إبدالهن من تقدير إن فارقكن . فالتقدير : عسى أن يطلقكن هو " وإنما يطلق بإذن ربه " أن يبدله ربه بأزواج خير منكن .
وفي هذا ما يشير إلى المعنى الرابع عشر والخامس عشر من معاني الموعظة والإرشاد التي ذكرناها آنفا .
و ( عسى ) هنا مستعملة في التحقيق وإيثارها هنا لأن هذا التبديل مجرد فرض وليس بالواقع لأنهن لا يظن بهن عدم الارعواء عما حذرن منه وفي قوله ( خيرا منكن ) تذكير لهن بأنهن ما اكتسبن التفضيل على النساء إلا من فضل زوجهن عند الله وإجراء الأوصاف المفصلة بعد الوصف المجمل وهو ( خيرا منكن ) للتنبيه على أن أصول التفضيل موجودة فيهن فيكمل اللاء يتزوجهن النبي A فضل على بقية النساء بأنهن صرن أزواجا للنبي A