والخبير : أخص من العليم لأنه مشتق من خبير الشيء إذا أحاط بمعانيه ودخائله ولذلك يقال خبرته أي بلوته وتطلعت بواطن أمره قال ابن برحان " بضم الموحدة وبجيم مشددة " في شرح الأسماء : الفرق بين الخبر والعلم وسائر الأشياء الدالة على صفة العلم أن تتعرف حصول الفائدة من وجه وأضف ذلك إلى تلك الصفة وسم الفائدة بذلك الوجه الذي عنه حصلت فمتى حصلت من موضع الحضور سميت مشاهدة والمتصف بها هو الشاهد والشهيد . وكذلك إن حصلت من وجه سمع أو بصر فالمتصف بها سميع وبصير . وكذلك إن حصلت من علم أو علامة فهو العلم والمتصف به العالم والعليم وإن حصلت عن استكشاف ظاهر المخبور عن باطنه ببلوى أو امتحان أو تجربة أو تبليغ فهو الخبر . والمسمى به الخبير اه . وقال الغزالي في المقصد الأسنى : " العلم إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة سمي خبرة وسمي صاحبها خبيرا اه " .
فيتضح أن اتباع وصف ( العليم ) بوصف ( الخبير ) إيماء إلى أن الله علم دخيلة المخاطبة وما قصدته من إفشاء السر للأخرى .
وقد حصل من هذا الجواب تعليمها بأن الله يطلع رسوله A على ما غاب إن شاء قال تعالى ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبة أحدا إلا من ارتضى من رسول ) وتنبيها على ما أبطنته من الأمر .
وهو الأدب السابع مع آداب هذه الآيات .
واعلم أن نبأ وأنبأ مترادفان وهما بمعنى أخبر وأن حقهما التعدية إلى مفعول واحد لأجل ما فيهما من همزة تعدية أو تضعيف . وإن كان لم يسمع فعل مجرد لهما وهو مما أميت في كلامهم استغناء بفعل علم . والأكثر أن يتعديا إلى ما زاد على المفعول بحرف جر نحو : نبأت به . وقد يحذف حرف الجر فيعديان إلى مفعولين كقوله هنا ( من أنبأك هذا ) أي بهذا وقول الفرزدق : .
نبئت عبد الله بالجو أصبحت ... كراما مواليها لآما ما صميمها حمله سيبويه على حذف الحرف .
وقد يضمنان معنى : اعلم فيعديان إلى ثلاثة مفاعيل كقول النابغة : .
نبئت زرعة والسفاهة كاسمها ... يهدي إلي غرائب الأشعار ولكثرة هذا الاستعمال ظن أنه معنى لهما وأغفل التضمين فنسب إلحاقهما ب ( اعلم ) إلى سيبويه والفارسي والجرجاني وألحق الفراء خبر وأخبر وألحق الكوفيون حدث .
قال زكريا الأنصاري : لم تسمع تعديتها إلى ثلاثة في كلام العرب إلا إذا كانت مبنية إلى المجهول .
وقرأ الجمهور ( عرف ) بالتشديد . وقرأه الكسائي ( عرف ) بتخفيف الراء أي علم بعضه وذلك كناية عن المجازاة أي جازى عن بعضه التي أفشته باللوم أو بالطلاق على رواية أن رسول الله A طلق حفصة ولم يصح وقد يكنى عن التوعد بفعل العلم . ونحوه كقوله تعالى ( أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم ) . وقول العرب للمسيء : لأعرفن لك هذا . وقولك : لقد عرفت ما صنعت .
( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير [ 4 ] ) التفات من ذكر القصتين إلى موعظة من تعلقت بهما فهو استئناف خطاب وجهة الله إلى حفصة وعائشة لأن إنباء النبي A بعلمه بما أفشته القصد منه الموعظة والتحذير والإرشاد إلى رأب ما انثلم من واجبها نحو زوجها . وإذ قد كان ذلك إثما لأنه إضاعة لحقوق الزوج وخاصة بإفشاء سره ذكرها بواجب التوبة منه .
وخطاب التثنية عائد إلى المنبئة والمنأبة فأما المنبئة فمعادها مذكور في الكلام بقوله ( إلى بعض أزواجه ) .
وأما المنبأة فمعادها ضمني لأن فعل ( نبأت ) يقتضيه فأما المنبئة فأمرها بالتوبة ظاهر . وأما المذاع إليها فلأنها شريكة لها في تلقي الخبر السر ولأن المذيعة ما أذاعت به إليها إلا لعلمها بأنها ترغب في تطلع مثل ذلك فهاتان موعظتان لمذيع السر ومشاركة المذاع إليه في ذلك وكان عليها أن تنهاها عن ذلك أو أن تخبر زوجها بما أذاعته عنه ضرتها