و ( بعض أزواجه ) هي حفصة بنت عمر بن الخطاب . وعدل عن ذكر اسمها ترفعا عن أن يكون القصد معرفة الأعيان وإنما المراد العلم بمغزى القصة وما غيها مما يجتنب مثله أو يقتدى به . وكذلك طي تعيين المنبأة بالحديث وهي عائشة .
وذكرت حفصة بعنوان أزواجه للإشارة إلى أن النبي A وضع سره في موضعه لأن أولى الناس بمعرفة سر الرجل زوجه . وفي ذلك تعريض بملامها على إفشاء سره لأن واجب المرأة أن تحفظ سر زوجها إذا أمرها بحفظه أو كان مثله مما يحب حفظه .
وهذا المعنى الأول من المعاني التهذيبية التي ذكرناها آنفا .
A E ونبأ : بالتضعيف مرادف أنبأ بالهمز ومعناهما : أخبر وقد جمعهما قوله ( فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا . قال نبأني العليم الخبير ) .
وقد قيل : السر أمانة أي وإفشاؤه خيانة .
وفي حديث أم زرع من آدابهم العربية القديمة قالت الحادية عشرة : " جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع لا تبث حديثنا تبثيثا ولا تنفث ميرثنا تنفيثا " .
وكلام الحكماء والشعراء في السر وحفظه أكثر من أن يحصى . وهو المعنى الثاني من المعاني التهذيبية التي ذكرناها .
ومعنى ( و أظهره الله عليه ) أطلعه عليه وهو مشتق من الظهور بمعنى التغلب .
استعير الإظهار إلى الإطلاع لأن اطلاع الله نبيه A على السر الذي بين حفصة وعائشة كان غلبة له عليهما فيما دبرتاه فشبهت الحالة الخاصة من تآمر حفصة وعائشة على معرفة سر النبي A ومن علمه بذلك بحال من يغالب غيره فيغلبه الغير ويكشف أمره . فالإظهار هنا من الظهور بمعنى الانتصار . وليس هو من الظهور ضد الخفاء لأنه لا يتعدى بحرف ( على ) .
وضمير ( عليه ) عائد على الإنباء المأخوذ من ( نبأت به ) أو على الحديث بتقدير مضاف يدل عليه قوله ( نبأت به ) تقديره : أظهره الله على إفشائه .
وهذا تنبيه إلى عناية الله برسوله A وانتصاره له لأن إطلاعه على ما لا علم له به مما يهمه عناية ونصح له .
وهذا حاصل المعنى الثالث من المعاني التي اشتملت عليها الآيات وذكرناها آنفا .
ومفعول ( عرف ) الأول محذوف لدلالة الكلام عليه أي عرفها بعضه أي بعض ما أطلعه الله عليه وأعرض عن تعريفها ببعضه . والحديث يحتوي على أشياء : اختلاء النبي بسريته مارية وتحريمها على نفسه وتناوله العسل في بيت زينب وتحريمه العودة إلى مثل ذلك وربما قد تخلل ذلك كلام في وصف عثور حفصة على ذلك بغتة أو في التطاول بأنها استطاعت أن تريهن من ميله إلى مارية . وإنما عرفها النبي A بذلك ليوقفها على مخالفتها واجب الأدب من حفظ سر زوجها .
وهذا هو المعنى الرابع من المعاني التي سبقت إشارتي إليها .
وإعراض الرسول A عن تعريف زوجه ببعض الحديث الذي أفشته من كرم خلقه A في معاتبة المفشية وتأديبها إذ يحصل المقصود بأن يعلم بعض ما أفشته فتوقن أن الله يغار عليه .
قال سفيان : ما زال التغافل من فعل الكرام وقال الحسن : ما استقصى كريم قط وما زاد على المقصود يقلب العتاب من عتاب إلى تقريع .
وهذا المعنى الخامس من مقاصد ذكر هذا الحديث كما أشرنا إليه آنفا .
وقولها ( من أنبأك هذا ) يدل على ثقتها بأن عائشة لا تفشي سرها وعلمت أنه لا قبل للرسول A بعلم ذلك إلا من قبل عائشة أو من طريق الوحي فرامت التحقق من أحد الاحتمالين .
والاستفهام حقيقي ولك أن تجعله للتعجيب من علمه بذلك .
وفي هذا كفاية من تيقظها بأن إفشاءها سر زوجها زلة خلقية عظيمة حجبها عن مراعاتها شدة الصفاء لعائشة وفرط إعجابها بتحريم مارية لأجلها فلم تتمالك عن أن تبشر به خليلتها ونصيرتها ولو تذكرت لتبين لها أن مقتضى كتم سر زوجها أقوى من مقتضى إعلامها خليلتها فإن أواصر الزوجية أقوى من أواصر الخلة وواجب الإخلاص لرسول الله أعلى من فضيلة الإخلاص للخلائل .
وهذا هو الأدب السادس من معاني الآداب التي اشتملت عليها القصة وأجملنا ذكرها آنفا .
وإيثار وصفي ( العليم الخبير ) هنا دون الاسم العلم لما فيهما من التذكير بما يجب أن يعلمه الناس من أحاطه الله تعالى علما وخبرا بكل شيء .
والعليم : القوي العلم وهو في أسمائه تعالى دال على أكمل العلم أي العلم المحيط بكل معلوم .
A E