وافتتاح الخبر بحرف التحقيق لتنزيل النبي A منزلة من لا يعلم أن الله فرض تحلة الأيمان بآية الكفارة بناء على أنه لم يأخذ بالرخصة تعظيما للقسم . فأعلمه الله أن الأخذ بالكفارة لا تقصير عليه فيه فإن في الكفارة ما يكفي للوفاء بتعظيم اليمين بالله إلى شيء هذا قوله تعالى في قصة أيوب ( وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تخث ) كما ذكرناه في تفسيرها و ( فرض ) عين ومنه قوله تعالى ( نصيبا مفروضا ) . وقال : فرض له في العطاء والمغنى : قد بين الله لكن تحلة أيمانكم .
A E واعلم أنه إن كان النبي A لم يصدر منه في تلك الحادثة إلا أنه التزم أن لا يعود لشرب شيئا عند بعض أزواجه في غير يوم نوبتها أو كان وعد أن يحرم مارية على نفسه بدون يمين على الرواية الأخرى . كان ذلك غير يمين فكان أمر الله إياه بأن يكفر عن يمينه إما لأن ذلك يجري مجرى اليمين لأنه إنما وعد لذلك تطمينا لخاطر أزواجه فهو التزام لهن فكان بذلك ملحقا باليمين وبذلك أخذ أبو حنيفة ولم يره مالك يمينا ولا نذرا فقال في الموطأ : ومعنى قول رسول الله A ( من نذر أن يعصي الله فلا يعضه ) أن ينذر الرجل أن يمشي إلى الشام أو إلى مصر مما ليس لله في بطاعة إن كلم فلانا فليس عليه في ذلك شيء إن هو كلمة لأنه ليس لله في هذه الأشياء طاعة فإن حلف فقال : ( والله لا آكل هذا الطعام ولا ألبس هذا الثوب فإنما عليه كفارة يمين ) اه .
وقد اختلف هل كفر النبي A عن يمينه تلك .
فالتحلة على هذا التفسير عند مالك هي : جعل الله ملتزم مثل هذا في حل من التزام ما التزمه . أي موجب التحلل من يمينه .
وعند أبي حنيفة هي ما شرعه الله من الخروج من الأيمان بالكفارات وإن كان النبي A صدر منه يمين عند ذلك على أن لا يعود فتحلة اليمين هي الكفارة عند الجميع .
وجملة ( والله مولاكم ) تذييل لجملة ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) . والمولى : الولي وهو الناصر ومتولي تدبير ما أضيف إليه وهو هنا كناية عن الرؤوف والميسر كقوله تعالى ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) .
وعطف عليها جملة ( وهو العليم الحكيم ) أي العليم بما يصلحكم فيحملكم على الصواب والرشد والسداد وهو الحكيم فيما يشرعه أي يجري أحكامه على الحكمة . وهي إعطاء الأفعال ما تقتضيه حقائقها دون الأوهام والتخيلات .
واختلف فقهاء الإسلام فيمن حرم على نفسه شيئا مما أحل الله له على أقوال كثيرة أنهاها القرطبي إلى ثمانية عشر قولا وبعضها متداخل في بعض باختلاف الشروط والنيات فيؤول إلى سبعة .
أحدها : لا يلزمه شيء سواء كان المحرم زوجا أو غيرها . وهو قول الشعبي ومسروق وربيعة من التابعين وقاله أصبغ بن الفرج من أصحاب مالك .
الثاني : تجب كفارة مثل كفارة اليمين . وروى عن أبي بكر وعمر وابن مسعود وابن عباس وعائشة وسعيد بن جبير وبه قال الأوزاعي والشافعي في أحد قوليه . وهذا جار على ظاهر الآية من قوله ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) .
الثالث : لا يلزمه في غير الزوجة وأما الزوجة فقيل : إن كان دخل بها كان التحريم ثلاثا وإن لم يدخل بها ينو فيما أراد وهو قول الحسن والحكم ومالك في المشهور . وقيل هي ثلاث تطليقات دخل بها أم لم يدخل . ونسب إلى علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبي هريرة . وقاله ابن أبي ليلى وهو عن عبد الملك بن الماجشون في المبسوط . وقيل طلقة بائنة . ونسب إلى زيد بن ثابت وحماد بن سليمان ونسبه ابن خويز منداد إلى مالك وهو غير المشهور عنه . وقيل طلقة رجعية في الزوجة مطلقا ونسب إلى عمر بن الخطاب فيكون قيدا لما روي عنه في القول الثاني . وقاله الزهري وعبد العزيز بن أبي سلمة وابن الماحشون وقال الشافعي يعني في أحد قوليه إن نوى الطلاق فعليه ما نوى من أعداده وإلا فهي واحدة رجعية . وقيل : هي ثلاث في المدخول بها وواحدة في التي لم يدخل بها دون تنوية .
الرابع : قال أبو حنيفة وأصحابه إن نوى بالحرام الظهار كان ما نوى فإن نوى الطلاق فواحدة بائنة إلا أن يكون نوى الثلاث . وإن لم ينو شيئا كانت يمينا وعليه كفارة فإن أباها كان موليا