وأن من حلف على يمين فرأى حنثها خيرا من برها أن يكفر عنها ويفعل الذي هو خير . وقد ورد التصريح بذلك في حديث وقد عبد القيس عن رواية أبي موسى الأشعري وتقدم في سورة براءة .
وتعليم الأزواج أن لا يكثرن من مضايقة أزواجهن فإنها ربما أدت إلى الملال فالكراهية فالفراق .
وموعظة الناس بتربية بعض الأهل بعضا ووعظ بعضهم بعضا .
وأتبع ذلك بوصف عذاب الآخرة ونعيمها وما يفضي إلى كليهما من أعمال الناس صالحاتها وسيئاتها .
وذيل ذلك بضرب مثلين من صالحات النساء وضدهن لما في ذلك من العظمة لنساء المؤمنين ولأمهاتهم .
( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم [ 1 ] ) افتتاح السورة بخطاب النبي A بالنداء تنبيه على أن ما سيذكر بعده مما يهتم به النبي A والأمة ولأن سبب النزول كان من علائقه .
A E والاستفهام فيقوله ( لم تحرم ) مستعمل في معنى النفي أي لا يوجد ما يدعو إلى أن تحرم على نفسك ما أحل الله لك ذلك أنه لما التزم عدم العود إلى ما صدر منه التزاما بيمين أو بدون يمين أراد الامتناع منه في المستقبل قاصدا بذلك تطمين أزواجه اللاء تمالأن عليه لفرط غيرتهن أي ليست غيرتهن مما تجب مراعاته في المعاشرة إن كانت فيما لا هضم فيه لحقوقهم ولا هي من إكرام إحداهن لزوجها إن كانت الأخرى لم تتمكن من إكرامه بمثل ذلك الإكرام في بعض الأيام .
وهذا يومئ إلى ضبط ما يراعي من الغيرة وما لا يراعى .
وفعل ( تحرم ) مستعمل في معنى : تجعل ما أحل لك حراما أي تحرمه على نفسك كقوله تعالى ( إلا ما حرم إسرائيل على نفسه ) وقرينته قوله هنا ( ما أحل الله لك ) .
وليس معنى التحريم هنا نسبة الفعل إلى كونه حراما كما في قوله تعالى ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) وقوله ( يحلونه عاما ويحرمونه عاما ) فإن التفعيل يأتي بمعنى التصبير كما يقال : وسع هذا الباب ويأتي بمعنى إيجاد الشيء على حالة مثل ما يقال للخياط : وسع طوق الجبة .
ولا يخطر ببال أحد أن يتوهم منه أنك غيرت إباحته حراما على الناس أو عليك . ومن العجيب قول الكشاف : ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله لأن الله إنما أحله لمصلحة عرفها في إحلاله الخ .
وصيغة المضارع في قوله ( لم تحرم ) لأنه أوقع تحريما متجددا .
فجملة ( تبتغي ) حال من ضمير ( تحرم ) . فالتعجيب واقع على مضمون الجملتين مثل قوله ( لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة ) .
وفي الإتيان بالموصول في قوله ( ما أحل الله لك ) لما في الصلة من الإيماء إلى تعليل الحكم هو أن ما أحله الله لعبده ينبغي له أن يتمتع به ما لم يعرض له ما يوجب قطعه من ضر أو مرض لأن تناوله شكر لله واعتراف بنعمته والحاجة إليه .
وفي قوله ( تبتغي مرضاة أزواجك ) عذر للنبي A فيما فعله من أنه أراد به خيرا وهو جلب رضا الأزواج لأنه أهون على معاشرته مع الإشعار بأن مثل هذه المرضاة لا يعبأ بها لأن الغيرة نشأت عن مجرد معاكسة بعضهن بعضا وذلك مما يختل به حسن المعاشرة بينهن فأنبأه الله أن هذا الاجتهاد معارض بأن تحريم ما أحل الله له يفضي إلى قطع كثير من أسباب شكر الله عند تناول نعمه وأن ذلك ينبغي إبطاله في سيرة الأمة .
وذيل بجملة ( والله غفور رحيم ) استئناسا للنبي A من وحشة هذا الملام أي والله غفور رحيم لك مثل قوله ( عفا الله عنك لم أذنت لهم ) .
( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم [ 2 ] ) استئناف بياني بين الله به لنبيه A أن له سعة في التحلل مما التزم تحريمه على نفسه وذلك فيما شرع الله من كفارة اليمين فأفتاه الله بأن يأخذ برخصته في كفارة اليمين المشروعة للأمة كلها ومن آثار حكم هذه الآية ما قاله النبي A لوفد عبد القيس بعد أن استحملوه وحلف أن لا يحملهم إذ ليس عنده ما يحملهم عليه فجاءه ذود من إبل الصدقة فقال لهم : ( وإني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وفعلت الذي هو خير )