فيجوز أن تكون مماثلة في الكروية أي مثل واحدة من السماوات أي مثل كوكب من الكواكب السبعة في كونها تسير حول الشمس مثل الكواكب فيكون ما في الآية من الإعجاز العلمي الذي قدمنا ذكره في المقدمة العاشرة .
وجمهور المفسرين جعلوا المماثلة في عدد السبع وقالوا : إن الأرض سبع طبقات فمنهم من قال هي سبع طبقات منبسطة تفرق بينها البحار . وهذا مروي عن ابن عباس من رواية الكلبي عن أبي صالح عنه ومنهم من قال هي سبع طباق بعضها فوق بعض وهو قول الجمهور . وهذا يقرب من قول علماء طبقات الأرض " الجيولوجيا " من إثبات طبقات أرضية لكنها لا تصل إلى سبع طبقات .
وفي الكشاف " قيل ما في القرآن آية تدل على أن الأرضين سبع إلا هذه " اه . وقد علمت أنها لا دلالة فيها على ذلك .
A E وقال المازري في كتابة المعلم على صحيح مسلم عند قول النبي A في كتاب الشفعة : ( من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه من سبع أرضين يوم القيامة ) .
كان شيخنا أبو محمد عبد الحميد كتب إلي بعد فراقي له هل وقع في الشرع عما يدل على كون الأرض سبعا فكتبت إليه قول الله تعالى ( الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن ) وذكرت له هذا الحديث فأعاد كتابه إلي يذكر فيه أن الآية محتملة هل مثلهن في الشكل والهيئة أو مثلهن في العدد . وأن الخبر من أخبار الآحاد والقرآن إذا احتمل والخبر إذا لم يتواتر لم يصح القطع بذلك والمسألة ليست من العمليات فيتمسك فيها بالظاهر وأخبار الآحاد فأعدت إليه المجاوبة أحتج لبعد الاحتمال عن القرآن وبسطت القول في ذلك وترددت في آخر كتابي في احتمال ما قال . فقطع المجاوبة اه .
وأنت قد تبينت أن إفراد الأرض مشعر بأنها أرض واحدة وأن المماثلة في قوله ( مثلهن ) راجعة إلى المماثلة في الخلق العظيم وأما الحديث فإنه في شأن من شؤون الآخرة وهي مخالفة للمتعارف فيجوز أن يطوق الغاصب بالمقدار الذي غصبه مضاعفا سبع مرات في الغلظ والثقل على أن عدد السبع يجوز أن يراد به المبالغة في المضاعفة . ولو كان المراد طبقات معلومة لقال : طوقه من السبع الأرضين بصيغة التعريف . كلام عبد الحميد أدخل في التحقيق من كلام المازري .
وعلى مجاراة تفسير الجمهور لقوله ( ومن الأرض مثلهن ) من المماثلة في عدد السبع فيجوز أن يقال : إن السبع سبع قطع واسعة من سطح الأرض يفصل بينها البحار نسميها القارات ولكن لا نعني بهذه التسمية المعنى الاصطلاحي في كتب الجغرافيا القديمة أو الحديثة بل هي قارات طبيعية كان يتعذر وصول سكان بعضها إلى بعضها الآخر في الأزمان التي لم يكن فيها تنقل بحري وفيما بعدها مما كان ركوب البحر فيها مهولا . وهي أن آسيا مع أوروبا قارة وإفريقيا قارة وأستراليا قارة وأميريكا الشمالية قارة وأميريكا الجنوبية قارة وجرولندة في الشمال والقارة القطبية الجنوبية . ولا التفات إلى الأجزاء المتفرقة من الأرض في البحار وتكون ( من ) تبعيضية لأن هذه القارات الاصطلاحية أجزاء من الأرض .
وقرأ الجميع ( مثلهن ) بالنصب . وقرأه عاصم في غير المتواتر بالرفع على أنه مبتدأ .
ومعنى ( يتنزل الأمر بينهن ) أمر الله بالتكوين أو بالتكليف يبلغ إلى الذين يأمرهم الله به من الملائكة ليبلغوه . أو لمن يأمرهم الله من الرسل ليبلغوه عنه أو من الناس ليعلموا بما فيه كل ذلك يقع فيما بين السماء والأرض .
واللام في قوله ( لتعلموا ) لام كي وهي متعلقة ب ( خلق ) .
والمعنى : أن مما أراده الله من خلقه السماوات والأرض أن يعلم الناس قدرة الله على كل شيء وإحاطة علمه بكل شيء . لأن خلق تلك المخلوقات العظيمة وتسخيرها وتدبير نظامها في طول الدهر يدل أفكار المتأملين على أن مبدعها يقدر على أمثالها فيستدلوا بذلك على أنه قدير على كل شيء لأن دلالتها على إبداع ما هو دونها ظاهرة ودلالتها على ما هو أعظم منها وإن كانت غير مشاهدة فقياس الغائب على الشاهد يدل على أن خالق أمثالها قادر على ما هو أعظم . وأيضا فإن تدبير تلك المخلوقات بمثل ذلك الإتقان المشاهد في نظامها دليل على سعة علم مبدعها وأحاطته بدقائق ما هو دونها وأن من كان علمه بتلك المثابة لا يظن بعلمه إلا الإحاطة بجميع الأشياء