روى مسلم أن مروان بن الحكم أرسل إلى فاطمة بنت قيس يسألها عن الحديث فحدثته فقال مروان : لم نسمع هذا الحديث إلا من المرأة سنأخذ بالعصمة التي وجدنا عليها الناس فبلغ قول مروان فاطمة بنت قيس فقالت : " بيني وبينكم القرآن قال الله عز وجل ( لا تخرجوهن من بيوتهن ) إلى قوله ( لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) . قالت : هذا لمن كانت له رجعة فأي أمر يحدث بعد الثلاث " اه .
A E ويرد على ذلك أن إحداث الأمر ليس قاصرا على المراجعة فإن من الأمر الذي يحدثه الله أن يرفق قلوبهما فيرغبا معا في إعادة المعاشرة بعقد جديد . وعلى تسليم اقتصار ذلك على إحداث أمر المراجعة فذكر هذه الحكمة لا يقتضي تخصيص عموم اللفظ الذي قبلها إذ يكفي أن تكون حكمة لبعض أحوال العام . فالصواب أن حق السكنى للمطلقات كلهن وهو قول جمهور العلماء .
وقوله ( من حيث سكنتم ) أي في البيوت التي تسكنونها أي لا يكلف المطلق بمكان للمطلقة غير بيته ولا يمنعها السكنى ببيته . وهذا تأكيد لقوله ( لا تخرجوهن من بيوتهن ) .
فإذا كان المسكن لا يسع مبيتين متفرقين خرج المطلق منه وبقيت المطلقة كما تقدم فيما رواه أشهب عن مالك .
و ( من ) الواقعة في قوله ( من حيث سكنتم ) للتبعيض أي في بعض ما سكنتم ويؤخذ منه أن المسكن صالح للتبعيض بحسب عرف السكنى مع تجنب التقارب في المبيت إن كانت غير رجعية فيؤخذ منه أنه إن لم يسعهما خرج الزوج المطلق .
و ( من ) في قوله ( من وجدكم ) بدل مطابق وهو بيان لقوله ( من حيث سكنتم ) فإن مسكن المرء هو وجده الذي وجده غالبا لمن لم يكن مقترا على نفسه .
والوجد : مثلث الواو هو الوسع والطاقة . وقرأه الجمهور بضم الواو . وقرأه روح عن يعقوب بكسرها .
( ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن ) أتبع الأمر بإسكان المطلقات بنهي عن الإضرار بهن في شيء مدة العدة من ضيق محل أو تقتير في الإنفاق أو مراجعة يعقبها تطليق لتطويل العدة عليهن قصدا للكناية والتشفي كما تقدم عند قوله تعالى ( ولا تتخذوا آيات الله هزؤا ) في سورة البقرة . أو للإلجاء إلى افتدائها من مراجعته بخلع .
والضارة : الإضرار القوي فكأن المبالغة راجعة إلى النهي لا إلى المنهي عنه أي هو نهي شديد كالمبالغة في قوله ( وما ربك بظلام للعبيد ) في أنها مبالغة في النفي ومثله كثير في القرآن .
والمراد بالتضييق : التضييق المجازي وهو الحرج والأذى .
واللام في ( لتضيقوا عليهن ) لتعليل الإضرار وهو قيد جرى على غالب ما يعرض للمطلقين من مقاصد أهل الجاهلية كما تقرر في قوله تعالى ( ولا تمسكوهن ضرار لتعتدوا ) وإلا فإن الإضرار بالمطلقات منهي عنه وإن لم يكن لقصد التضييق عليهن .
( وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) ضمير ( كن ) يعود إلى ما عاد إليه ضمير ( أسكنوهن ) كما هو شأن ترتيب الضمائر وكما هو مقتضى عطف الجمل وليس عائدا على خصوص النساء الساكنات لأن الضمير لا يصلح لأن يكون معادا لضمير آخر .
وظاهر نظم الآية يقتضي أن الحوامل مستحقات الإنفاق دون بعض المطلقات أخذا بمفهوم الشرط وقد أخذ بذلك الشافعي والأوزاعي وابن أبي ليلى .
ولكن المفهوم معطل في المطلقات الرجعيات لأن إنفاقهن ثابت بأنهن زوجات . ولذلك قال مالك : إن ضمير ) أسكنوهن ) للمطلقات البوائن كما تقدم . ومن لم يأخذ بالمفهوم قالوا الآية تعرضت للحوامل تأكيدا للنفقة عليهن لأن مدة الحمل طويلة فربما سئم المطلق الإنفاق فالمقصود من هذه الجملة هو الغاية التي بقوله ( حتى يضعن حملهن ) وجعلوا للمطلقة غير ذات الحمل الإنفاق . وبه أخذ أبو حنيفة والثوري . ونسب إلى عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود Bهما .
وهذا الذي يرجح هو هذا القول وليس للشرط مفهوم وإنما الشرط مسوق لاستيعاب الإنفاق جميع أمد الحمل .
( فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى [ 6 ] )