و " من " للابتداء المجازي المراد به المقارنة والملابسة .
A E واليسر : انتفاء الصعوبة أي انتفاء المشاق والمكروهات .
والمقصود من هذا تحقيق الوعد باليسر فيما شأنه العسر لحث الأزواج على امتثال ما أمر الله به الزوج من الإنفاق في مدة العدة ومن المراجعة وترك منزله لأجل سكناها إذا كان لا يسعهما وما أمر المرأة من تربص أمد العدة وعدم الخروج ونحو ذلك .
والإشارة بقوله ( ذلك أمر الله ) إلى الأحكام المتقدمة من أول السورة . وهذه الجملة معترضة بين المتعاطفتين .
والأمر في قوله ( أمر الله ) : حكمه وما شرعه لكم كما قال ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) .
وإنزاله : إبلاغه إلى الناس بواسطة الرسول A أطلق عليه الإنزال تشبيها لشرف معانيه وألفاظه بالشيء الرفيع لأن الشريف يتخيل رفيعا . وهو استعارة كثيرة في القرآن . ففي قوله ( أنزله ) استعارة مكنية .
والكلام كناية عن الحث على التهمم برعايته والعمل به وبعث الناس على التنافس في العلم به إذ قد اعتنى الله بالناس حيث أنزل إليهم ما فيه صلاحهم .
وأعيد التحريض على العمل بما أمر الله بالوعد بما هو أعظم من الأرزاق وتفريج الكرب وتيسر الصعوبات في الدنيا . وذلك هو تكفير للسيئات وتوفير الأجور .
والجملة معطوفة على الجملة المعترضة فلها حكم الاعتراض .
وجيء بالوعد من الشرط لتحقيق تعليق الجواب على شرطه .
( أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ) هذه الجملة وما ألحق بها من الجمل إلى قوله ( وكأين من قرية عنت ) الخ .
تشريع مستأنف فيه بيان لما أجمل في الآيات السابقة من قوله ( لا تخرجوهن من بيوتهن ) وقوله ( أو فارقوهن بمعروف ) وقوله ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) فتتنزل هذه الجمل من اللاتي قبلها منزلة البيان لبعض ويدل الاشتمال لبعض وكل ذلك مقتضى للفصل . وابتدئ ببيان ما في ( لا تخرجوهن من بيوتهن ) من إجمال .
والضمير المنصوب في ( أسكنوهن ) عائد إلى النساء المطلقات في قوله ( إذا طلقتم ) . وليس فيما تقدم من الكلام ما يصلح لأن يعود عليه هذا الضمير إلا لفظ النساء وإلا لفظ ( أولات الأحمال ) ولكن لم يقل أحد بأن الإسكان خاص بالمعتدات الحوامل فإنه ينافي قوله تعالى ( لا تخرجوهن ) فتعين عود الضمير إلى النساء المطلقات كلهن وبذلك يشمل المطلقة الرجعية والبائنة والحامل لما علمته في أول السورة من إرادة الرجعية والبائنة من لفظ ( إذا طلقتم النساء ) .
وجمهور أهل العلم قائلون بوجوب السكنى لهن جميعا . قال أشهب : قال مالك يخرج عنها إذا طلقها وتبقى هي في المنزل . وروى ابن نافع قال مالك : فأما التي لم تبن فإنها زوجة يتوارثان والسكنى لهن لازمة لأزواجهن اه . يريد أنها مستغنى عن أخذ حكم سكناها من هذه الآية . ولا يريد أنها ميتثناة من حكم الآية . وقال قتادة وابن أبي ليلى وإسحاق وأبو ثور وأحمد بن حنبل : لا سكنى للمطلقة طلاقا بائنا . ومتمسكهم في ذلك ما روته فاطمة بنت قيس : أن زوجها طلقها ثلاثا وأن أخا زوجها منعها من السكنى والنفقة وأنها رفعت أمرها إلى رسول الله A فقال لها : " إنما السكنى والنفقة على من له عليها الرجعة " . وهو حديث غريب لم يعرفه أحد إلا من رواية فاطمة بنت قيس . ولم يقبله عمر بن الخطاب . فقال : لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها نسيت أو شبه عليها . وأنكرته عائشة على فاطمة بنت قيس فيما ذكرته من أنه أذن لها في الانتقال إلى مكان غير الذي طلقت فيه كما تقدم .
وروي أن عمر " روى عن النبي A أن للمطلقة البائنة سكنى " . ورووا أن قتادة وابن أبي ليلى أخذا بقوله تعالى ( لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) إذ الأمر هو المراجعة فقصرا الطلاق في قوله ( إذا طلقتم النساء ) على الطلاق الرجعي لأن البائن لا تترقب بعده مراجعة وسبقها إلى هذا المأخذ فاطمة بنت قيس المذكورة