أحدها أن عموم ( وأولات الأحمال ) حاصل بذات اللفظ لأن الموصل مع صلته من صيغ العموم وأما قوله ( ويذرون أزواجا ) فإن ( أزواجا ) نكرة في سياق الإثبات فلا عموم لها في لفظها وإنما عرض لها العموم تبعا لعموم الموصول العامل فيها وما كان عمومه بالذات أرجح مما كان عمومه بالعرض .
وثانيها : أن الحكم في عموم ( وأولات الأحمال ) علق بمدلول صلة الموصول وهي مشتق وتعليق الحكم بالمشتق يؤذن بتعليل ما اشتق منه بخلاف العموم الذي في سورة البقرة فما كان عمومه معللا بالوصف أرجح في العمل مما عمومه غير معلل .
وثالثها : قضاء رسول الله A في عدة سبيعة الأسلمية .
وذهب الحنيفية إلى أن عموم ( وأولات الأحمال ) ناسخ لعموم قوله ( ويذرون أواجا ) في مقدار ما تعارضا فيه .
ومآل الرأيين واحد هو أن عدة الحامل وضع حملها سواء كانت معتدة من طلاق أم من وفاة زوجها .
والصحيح أن آية البقرة لم يرتفع حكمها وشذ القائلون بأن المتوفى عنها إن لم تكن حاملا ووضعت حملها يجب عليها عدة أربعة أشهر وعشر .
وقال قليل من أهل العلم بالجمع الآيتين بما يحقق العمل بهما معا فأوجبوا على الحامل المتوفى عنها زوجها الاعتداد بالأقصى من الأجلين أجل الأربعة الأشهر والعشر . وأجل وضع الحمل وهو قول علي بن أبي طالب وابن عباس . وقصدهم من ذلك الاحتياط لأنه قد تأتى لهم هنا إذ كان التعارض في مقدار زمنين فأمكن العمل بأوسعهما الذي يتحقق فيه الآخر وزيادة فيصير معنى هذه الآية ( أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) ما لم تكن في عدة وفاة ويكون معنى آية سورة البقرة وأزواج المتوفين يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ما لم تكن حوامل فيزدن تربصا إلى وضع الحمل . ولا يجوز تخصيص عموم ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) بما في آية ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) من خصوص بالنظر إلى الحوامل المتوفى عنهن إذ لا يجوز أن تنتهي عدة الحامل المتوفى عنها التي مضت عليها أربعة أشهر وعشر قبل وضع حملها من عدة زوجها وهي في حالة حمل لأن ذلك مقرر بطلانه من عدة أدلة في الشريعة لا خلاف فيها وإلى هذا ذهب ابن أبي ليلى .
وفي صحيح البخاري " عن محمد بن سيرين قال : كنت في حلقة فيها عظم من الأنصار " أي بالكوفة " وفيهم عبد الرحمان بن أبي ليلى وكان أصحابه يعظونه فذكر آخر الأجلين فحدثت حديث عبد الله بن عتبة في شأن سبيعة بنت الحارث فقال عبد الرحمان لكن عمه " أي عم عتبة وهو عبد الله بن مسعود " كان لا يقول ذلك " أي لم يحدثنا به " فقلت : إني إذن لجريء إن كذبت على رجل في جانب الكوفة " وكان عبد الله بن عتبة ساكنا بظاهر الكوفة " فخرجت فلقيت عامرا أو مالك بن عوف فقلت : كيف كان قول ابن مسعود في المتوفى عنها زوجها وهي حامل فقال : قال ابن مسعود : أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى " أي البقرة " .
وفي البخاري عن أبي سلمة جاء رجل إلى ابن عباس وأبو هريرة جالس عنده فقال : أفتني في امرأة ولدت بعد زوجها بأربعين ليلة فقال ابن عباس : آخر الأجلين . فقلت أنا " وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " . قال أبو هريرة : أنا مع ابن أخي " أي مع أبي سلمة " فأرسل ابن عباس كريبا إلى أم سلمة يسألها فقالت : قتل " كذا والتحقيق أنه مات حجة الوداع " زوج سبيعة الأسلمية وهي حبلى فوضعت بعد موته بأربعين ليلة فخطبت فأنكحها رسول الله . وقد قال بعضهم : إن ابن عباس رجع عن قوله . ولم يذكر رجوعه في حديث أبي سلمة .
( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا [ 4 ] ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا [ 5 ] ) تكرير للموعظة وهو اعتراض . والقول فيه كالقول في قوله تعالى ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) . والمقصود موعظة الرجال والنساء على الأخذ بما في هذه الأحكام مما عسى أن يكون فيه مشقة على أحد بأن على كل أن يصبر لذلك امتثالا لأمر الله فإن الممتثل وهو مسمى المتقي يجعل الله له يسرا فيما لحقه من عسر .
والأمر : الشأن والحال . والمقصود : يجعل له من أمره العسير في نظره يسرا بقرينة جعل اليسر لأمره