قلت ولا تعرف نسبة هذا إلى داود . فإن ابن حزم : لم يحكه عنه ولا حكاه أحد ممن تعرضوا لاختلاف الفقهاء قال ابن لبابة : وهو شذوذ وقال ابن لبابة : وأما ابن بكير وإسماعيل بن جماد أي من فقهاء المالكية فجعلا المرأة المتيقن يأسها ملحقة بالمرتابة في العدة بطريق القياس يريد أن العدة لها حكمتان براءة الرحم وانتظار المراجعة وأما الذين لا يعتبرون مفهوم المخالفة فهم في سعة مما لزم الذين يعتبرونه .
وأصحاب هذا الطريق مختلفون في الوجهة وفي محمل الآية بحسبها : فقال عكرمة وابن زيد وقتادة : ليس على المرأة المرتاب في معودة الحيض إليها عدة أكثر من ثلاثة أشهر تعلقا بظاهر للآية " ولعل علة ذلك عندهم أن ثلاثة الأشهر يتبين فيها أمر الحمل فإن لم يظهر حمل بعد انقضائها تمت عدة المرأة " لأن الحمل بعد سن اليأس نادر فإذا اعترتها ريبة الحمل انتقل النظر إلى حكم الشك في الحمل وتلك مسألة غير التي نزلت في شأنها الآية .
وقال الأكثرون من أهل العلم : إن المرتاب في ] أسها نمكث تسعة أشهر " أي أمد الحمل المعتاد " فإن لم يظهر بها حمل ابتدأت الاعتداد بثلاثة أشهر فتكمل لها سنة كاملة . وأصل ذلك ما رواه سعيد بن المسيب من قضاء عمر بن الخطاب ولم يخالف أحد من الصحابة وأخذ به مالك . وعن مالك في المدونة : تسعة أشهر للريبة والثلاثة الأشهر هي العدة . ولعلهم رأوا أن العدة بعد مضي التسعة الأشهر تعبد لأن ذلك هو الذي في القرآن وأما التسعة الأشهر فأوجبها عمر بن الخطاب لعله بالاجتهاد وهو تقييد للإطلاق الذي في الآية .
وقال النخعي وسفيان الثوري وأبو حنيفة الشافعي : تعتد المرتاب في يأسها بالإقراء " أي تنتظر الدم إلى أن يبلغ سن من لا يشبه أن تحيض ولو زادت مدة انتظارها على تسعة أشهر " . فإذا بلغت سن اليأس دون ريبة اعتدت بثلاثة أشهر من يومئذ . ونحن نتأول له بأن تقدير الكلام : فعدتهن ثلاثة أشهر أي بعد زوال الارتياب كما سنذكره وهو مع ذلك يقتضي أن هذه الثلاثة الأشهر بعد مضي تسعة أشهر أو بعد مضي مدة تبلغ بها سن من لا يشبه أن تحيض تعبد لأن انتفاء الحمل قد اتضح وانتظار المراجعة قد امتد . إلا أن نعتذر لهم بأن مدو الانتظار لا يتحفز في خلالها المطلق للرأي في أمر المراجعة لأنه في سعة الانتظار فيزاد في المدة لأجل ذلك وفي تفسير القرطبي : قال عكرمة وقتادة : من الريبة المرأة المستحاضة التي لا يستقيم لها الحيض في أول الشهر مرارا وفي الأشهر مرة " أي بدون انضباط " اه . ونقل الطبري مثل هذا الكلام عن الزهري وابن زيد فيجب أن يصار إلى هذا الوجه في تفسير الآية . والمرأة إذا قاربت وقت اليأس لا ينقطع عنها الحيض دفعة واحدة بل تبقى عدة أشهر ينتابها الحيض غبا بدون انتظام ثم ينقطع تماما .
وقوله تعالى ( واللاء لم يحضن ) عطف على ( واللاء يئسن ) والتقدير : عدتهن ثلاثة أشهر . ويحسن الوقف على قوله ( فعدتهن ثلاثة أشهر ) .
( وأولت الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) معطوفة على جملة ( وللاء لم يحضن ) فهي إتمام العدة المجمل في قوله تعالى ( وأحصوا العدة ) وتقدير الكلام : وأولات الأحمال منهن أي من المطلقات أجلهن أن يضعن حملهن .
فحصل بهذه الآية مع التي قبلها تفصيل لأحوال المطلقات وحصل أيضا منها بيان الإجمال الآية التي في سورة البقرة .
( وأولات ) اسم جمع لذات بمعنى : صاحبة . وذات : مؤنث ذو بمعنى : صاحب . ولا مفرد ل ( أولات ) من الفظه كما لا مفرد للفظ ( أولوا ) و ( أولات ) مثل ذوات كما أن أولو مثل ذوو . ويكتب ( أولات ) بواو بعد الهمزة في الرسم تبعا لكتابة لفظ ( أولو ) بواو بعد الهمزة لقصد التفرقة في الرسم بين أولى في حالة النصب والجر وبين حرف ( إلى ) . وليتهم قصروا كتابته بواو بعد الهمزة على لفظ أولي المذكر المنصوب أو المجرور وتركوا التكلف في غيرهما .
A E