واليأس : عدم الأمل . والمأيوس منه في الآية يعلم من السياق من قوله ( فطلقوهن لعدتهن ) أي يئسن من المحيض سواء كان اليأس منه بعد تعدده أو كان بعدم ظهوره أي لم يكن انقطاعه لمرض أو إرضاع . وهذا السن يختلف تحديده باختلاف الذوات والأقطار كما يختلف سن ابتداء الحيض كذلك . وقد اختلف في تحديد هذا السن بعدد السنين فقيل : ستون سنة وقيل : خمس وخمسون وترك الضبط بالسنين أولى وإنما هذا تقريب لإبان اليأس .
والمقصود من الآية بين وهي مخصصة لعموم قوله ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) من سورة البقرة . وقد نزلت سورة الطلاق بعد سورة البقرة .
وقد خفي مفاد الشرط من قوله ( إن ارتبتم ) وما هو متصل به . وجمهور أهل التفسير جعلوا هذا الشرط متصلا بالكلام الذي وقع هو في أثنائه وإنه ليس متصلا بقوله ( لا تخرجوهن من بيوتهن ) في أول هذه السورة خلافا لشذوذ تأويل بعيد وتشتيت لشمل الكلام ثم خفي المراد من هذا الشرط بقوله ( إن ارتبتم ) .
وللعلماء فيه طريقتان : الطريقة الأولى : مشى أصحابها إلى أن مرجع اليأس غير مرجع الارتياب باختلاف المتعلق فروى أشهب عن مالك أن الله تعالى لما بين عدة ذوات القروء وذوات الحمل أي في سورة البقرة وبقيت اليائسة والتي لم تحض ارتاب أصحاب محمد A في أمرهما فنزلت هذه الآية . ومثله مروي عن مجاهد وروى الطبري حبرا عن أبي بن كعب أنه سأل رسول الله A عن اعتداد هاتين اللتين لم تذكرا في سورة البقرة فنزلت هذه الآية . فجعلوا حرف ( إن ) بمعنى " إذ " وأن الاتياب وقع في حكم العدة قبل نزول الآية أي إذ ارتبتم في حكم ذلك فبيناه بهذه الآية قال ابن العربي : حديث أبي غير صحيح . وأنا أقول : رواه البيهقي في سنته والحاكم في المستدرك وصححه . والطبراني بسنده عن عمرو بن سالم أن أبيا قال : وليس في رواية الطبري ما يدل على إسناد الحديث .
وهو في رواية البيهقي بسنده إلى أبي عثمان عمر بن سالم الأنصاري عن أبي بن كعب وهو منقطع لأن أبا عثمان لم يلق أبي بن كعب وأحسب أنه في مستدرك الحاكم كذلك لأن البيهقي رواه عن الحاكم فلا وجه لقول ابن العربي : هو غير صحيح . فإن رجال سنده ثقات .
وفي أسباب النزول للواحدي عن قتادة أن خلاد بن النعمان وأبيا سألا رسول الله A عن ذلك فنزلت هذه الآية . وقيل : إن السائل معاذ بن جبل سأل عن عدة الآيسة .
فالريبة على هذه الطريقة تكون مرادا بها ما حصل من التردد في حكم هؤلاء المطلقات فتكون جملة الشرط معترضة بين المبتدإ وهو الموصول وبين خبره وهو جملة ( فعدتهن ثلاثة أشهر ) .
والفاء في ( فعدتهن ) داخلة على جملة الخبر لما في الموصول من معنى الشرط مثل قوله تعالى ( واللذان يأتيهانها منكم فآذوهما ) ومثله كثير في الكلام .
والارتياب على هذا قد وقع فيما مضى فتكون " إن " مستعملة في معنى اليقين بلا نكتة .
والطريقة الثانية : مشى أصحابها إلى أن مرجع اليأس ومرجع الاتياب واحد وهو حالة المطلقة من المحيض وهو عن عكرمة وقتادة وابن زيد وبه فسر يحيى بن بكير وإسماعيل بن هاد من المالكية ونسبه ابن لبابة من المالكية إلى داود الظاهري .
وهذا التفسير يمحض أن يكون المراد من الارتياب حصول الريب في حال المرأة .
وعلى هذا فجملة الشرط وجوابه خبر عن ( اللاء يئسن ) أي إن ارتبن هن وارتبتم أنتم لأجل ارتيابهن فيكون ضمير جمع الذكور المخاطبين تغليبا ويبقى الشرط على شرطيته . والارتياب مستقبل والفاء رابطة للجواب .
وهذا التفسير يقتضي أن يكون الاعتداد بثلاثة أشهر مشروطا بأن تحصل الريبة في يأسها من المحيض فاصطدم أصحابه بمفهوم الشرط الذي يقتضي أنه إن لم تحصل الريبة في يأسهن أنهن لا يعتددن بذلك أو لا يعتددن أصلا فنسب ابن لبابة " من فقهاء المالكية " إلى داود الظاهري أنه ذهب إلى سقوط العدة عن المرأة التي يوقن أنها يائسة .
A E