وشمل غيره من الأعمال ذات الفساد كما في قوله ( وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آبائنا ) . وقوله تعالى ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) في سورة الأعراف . قال ابن عطية : قال بعض الناس الفاحشة متى وردت في القرآن معرفة فهي الزنى " يريد أو ما يشبهه " كما في قوله ( أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ) ومتى وردت منكرة فهي المعاصي .
وقرأ الجمهور ( مبينة ) بكسر الياء التحتية أي هي تبين لمن تبلغه أنها فاحشة عظيمة فإسناد التبيين إليها مجاز باستعارة التبيين للوضوح أو تبيين لولاة الأمور صدورها من المرأة فيكون إسناد التبيين إلى الفاحشة مجازا عقليا وإنما المبين ملابسها وهو الإقرار والشهادة فيحمل في كل حالة على ما يناسب معنى التبيين .
وقرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم مبينة بفتح التحتية أي كانت فاحشة بينتها الحجة أو بينها الخارج ومحمل القراءتين واحد .
ووصفها بمبينة إما أن يراد به أنها واضحة في جنس الفواحش أي هي فاحشة عظيمة وهذا المقام يشعر بأن عظمها هو عظم ما يأتيه النساء من أمثالها عرفا . وإما أن يراد به مبينة الثبوت للمدة التي تخرج .
وقد اختلفوا في المراد من الفاحشة هنا وفي معنى الخروج لأجلها فعن ابن مسعود وابن عباس والشعبي والحسن وزيد بن أسلم والضحاك وعكرمة وحماد والليث بن سعد وأبي يوسف : أن الفاحشة الزنى قالوا ومعاد الاستثناء الإذن في إخراجهن أي ليقام عليهن الحد .
وفسرت الفاحشة بالبذاء على الجيران والإحماء أو على الزوج بحيث أن بقاء أمثالهن في جوار أهل البيت يفضي إلى تكرر الخصام فيكون إخراجها من ارتكاب أخف الضررين ونسب هذا إلى أبي بن كعب لأنه قرأ إلا أن يفحشن عليكم " بفتح التحتية وضم الحاء المهملة أي الاعتداء بكلام فاحش " وروي ابن عباس أيضا واختاره الشافعي .
وفسرت الفاحشة بالمعصية من سرقة أو سب أو خروج من البيت فإن العدة بله الزنى ونسب إلى ابن عباس أيضا وابن عمر وقاله السدي وأبو جنيفة .
وعن قتادة الفاحشة : النشوز أي إذا طلقها لأجل النشوز فلا سكنى لها .
وعن ابن عمر والسدي إرجاع الاستثناء إلى الجملة التي هو موال لها وهي جملة ( ولا يخرجن ) أي هم منهيات عن الخروج إلا أن يردن أن يأتين بفاحشة ومعنى ذلك إرادة تفظيع خروجهن أي إن أردن أن يأتين بفاحشة يخرجن وهذا بما يسمى تأكيد الشيء بما يشبه ضده كذا سماه السكاكي تسمية عند الأقدمين تأكيد المادح بما يشبه الذم ومنه قول النابغة : .
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب فجعلت الآية خروجهن ريبة لهن وحذرت النساء منه بأسلوب خطابي " بفتح الخاء " فيكون هذا الاستثناء منعا لهن من الخروج على طريقة المبالغة في النهي .
ومحمل فعل ( يأتين ) على هذا الوجه أنه من يردن أن يأتين مثل ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) .
وقد ورد في الصحيح عن النبي A أنه أتته فاطمة بنت قيس الفهرية فأخبرته أن زوجها أبا عمرو بن حفص أو أبا حفص بن عمرو " وكان وجهه النبي A مع علي إلى اليمن فأرسل إليها من اليمن بتطليقة صادفت آخر الثلاث فبانت منه وأنه أرسل إلى بعض ذويه بأن ينفقوا عليها مدة العدة فقالوا لها مالك نفقة إلا أن تكون حاملا وأنها رفعت أمرها إلى النبي A فقال : لا نفقة لك فاستأذنته في الانتقال فأذن لها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم . وفي رواية أنها قالت : أخاف أن يقتحم علي " بالبناء للمجهول " وفي رواية أنها كانت في مكان وحش مخيف على ناحيتها فأمرها النبي A بالانتقال .
A E واختلف العلماء في انتقالها فقال جماعة هو رخصة لفاطمة بنت قيس لا تتجاوزها وكانت عائشة أم المؤمنين ترى ذلك روى البخاري أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق امرأته عمرة بنت عبد الرحمان بن الحكم وكان عمها مروان بن الحكم أمير المدينة يومئذ فانتقلها أبوها إليه فبلغ ذلك عائشة أم المؤمنين فأرسلت إلى مروان أن اتق الله وأرددها إلى بيتها فقال مروان أو ما بلغك شأن فاطمة بنت قيس قالت عائشة لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة فقال مروان إن كان بك الشر فحسبك ما بين هذين من الشر " ولعل عائشة اقتنعت بذلك إذ لم يرد أنها ردت عليه "