واختلف العلماء في أن النبي A طلق وجزم به الخطابي في شرح سنن أبي داود ولم يثبت تطليق النبي A بحديث صحيح والمروي في ذلك خبران أولهما ما رواه ابن ماجه عن سويد بن سعيد وعبد الله بن عامر بن زراره ومسروق بن المرزبان بسندهم إلى ابن عباس عن عمر بن الخطاب أن رسول الله A طلق حفصة ثم راجعها . وفي هذا السند ضعف لأن سويد بن سعيد ضعيف نسبه ابن معين إلى الكذب وضعفه ابن المديني والنسائي وابن عدي . وقبله أحمد بن حنبل وأبو حاتم . وكذلك مسروق ابن المرزبان يضعف أيضا . وبقي عبد الله بن عامر بن زرارة لا متكلم فيه فيكون الحديث صحيحا لمنه غريب وهو لا يقبل فيما تتوفر الدواعي على روايته كهذا . وهذا الحديث غريب في مبدئه ومنتهاه لانفراده سعيد بن جبير بروايته عن ابن عباس وانفراد ابن عباس بروايته عن عمر بن الخطاب مع عدم إخراج أهل الصحيح إياه فالأشبه أنه لم يقع طلاق النبي A حفصة ولكن كانت قضية الإيلاء بسبب حفصة .
والمعروف في الصحيح عن عمر بن الخطاب أن رسول الله A آلى من نسائه فقال الناس طلق رسول الله نساءه . قال عمر : " فقلت يا رسول الله أطلقت نساءك قال : لا آليت منهن شهرا " . فلعل أحد رواة الحديث عن ابن عباس عبر عن الإيلاء بلفظ التطليق وعن الفيئة بلفظ راجع على أن ابن ماجة يضعف عند أهل النقد .
وثانيهما حديث الجونية أسماء أو أميمة بنت شراحيل الكندية في الصحيح أن رسول الله A تزوجها وأنه لما دخل يبني بها قالت له : " أعوذ بالله منك فقال : قد عذت بمعاذ ألحقي بأهلك " وأمر أبا أسيد الساعدي أن يكسوها ثوبين وأن يلحقها بأهلها ولعلها أرادت إظهار شرفها والتظاهر بأنها لا ترغب في الرجال وهو خلق شائع في النساء .
والأشبه أن هذا طلاق وأنه كان على سبب سؤالها فهو مثل التخيير الذي قال الله تعالى فيه ( يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا ) في سورة الأحزاب . فلا يعارض ذلك قوله ( أبغض الحلال إلى الله الطلاق ) . إذ يكون قوله ذلك مخصوصا بالطلاق الذي يأتيه الزوج بداع من تلقاء نفسه لأن علة الكراهية هي ما يخلفه الطلاق من بغضاء المطلقة من يطلقها فلا يصدر من النبي A ابتداء تجنبا من أن تبغضه المطلقة فيكون ذلك وبالا عليها فأما إذا سألته فقد انتفت الذريعة التي يجب سدها .
وعلم من قوله تعالى ( لعدتهن ) أنهن النساء الدخول بهن لأن غير المدخول بهن لا عدة لهن إجماعا بنص آية الأحزاب .
وهذه الآية حجة لمالك والشافعي والجمهور أن العدة بالإظهار لا بالحيض فإن الآية دلت على أن يكون إيقاع الطلاق عند مبدإ الاعتداد فلو كان مبدأ الاعتداد هو الحيض لكانت الآية أمرا بإيقاع الطلاق في الحيض ولا خلاف في أن ذلك منهي عنه لحديث عمر في قضية طلاق ابنه عبد الله بن عمر زوجه وهي حائض . واتفق أهل العلم على الأخذ به فكيف يخالف مخالف في معنى القرء خلافا يفضي إلى إبطال حكم القضية في ابن عمر وقد كانت العدة مشروعة من قبل بآية سورة البقرة وآيات الأحزاب فلذلك كان نوط إيقاع الطلاق بالحال التي تكون بها العدة إحالة على أمر معلوم لهم .
وحكمة العدة تقدم بيانها .
( وأحصوا العدة ) الإحصاء : معرفة العد وضبطه . وهو مشتق من الحصى وهي صغار الحجارة لأنهم كانوا إذا كثرت أعداد شيء جعلوا لكل معدود حصاة ثم عدوا ذلك الحصى قال تعالى ( وأحصى كل شيء عددا ) .
A E والمعنى : الأمر بضبط أيام العدة والإتيان على جميعها وعدم التساهل فيها لأن التساهل فيها ذريعة إلى أحد أمرين . إما التزويج قبل انتهائها فربما اختلط النسب وإما تطويل المدة على المطلقة في أيام منعها من التزوج لأنها في مدة العدة لا تخلو من حاجة إلى من يقوم بها .
وأما فوات أمد المراجعة إذا كان المطلق قد ثاب إلى مراجعة امرأته .
والتعريف في العدة للعهد فإن الاعتداد مشروع من قبل كما علمته آنفا والكلام على تقدير مضاف لأن المحصى أيام العدة