قال أبو بكر بن العربي : وهذا قولهم أن الخطاب له لفظا . والمعنى له وللمؤمنين وإذا أراد الله الخطاب للمؤمنين لاطفه بقوله ( يا أيها النبي ) وإذا كان الخطاب باللفظ والمعنى جميعا له قال ( يا أيها الرسول ) اه . ووجه الاهتمام بأحكام الطلاق والمراجعة والعدة سنذكره عند قوله تعالى ( واتقوا الله ربكم ) .
فالأحكام المذكورة في هذه السورة عامة للمسلمين فضمير الجمع في قوله ( إذا طلقتم النساء ) وما بعده من الضمائر مثله مراد بها هو وأمته . وتوجيه الخطاب إليه لأنه المبلغ للناس وإمام أمته وقدوتهم والمنفذ لأحكام الله فيهم فيما بينهم من المعاملات فالتقدير إذا طلقتم أيها المسلمون .
وظاهر كلمة ( إذا ) أنها للمستقبل وهذا يؤيد ما قاله أبو بكر بن العربي من أنها شرع مبتدأ قالوا إنه يجوز أن يكون المراد إذا طلقتم في المستقبل فلا تعودوا إلى مثل ما فعلتم ولكن طلقوهن لعدتهن أي في أطهارهن كما سيأتي .
وتكرير فعل ( فطلقوهن ) لمزيد الاهتمام به فلم يقل إذا طلقتم النساء فلطهرهن وقد تقدم نظير ذلك عند قوله تعالى ( وإذا بطشتم بطشتم جبارين ) في سورة الشعراء وقوله ( وإذا مروا باللغو مروا كراما ) في سورة الفرقان .
واللام في ( لعدتهن ) لام التوقيت وهي بمعنى عند مثل كتب ليوم كذا من شهر كذا . ومنه قوله تعالى ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) لا تحتمل هذه اللام غير ذلك من المعاني التي تأتي لها اللام . ولما كان مدخول اللام هنا غير زمان علم أن المراد الوقت المضاف إلى عدتهن أي وقت الطهر .
ومعنى التركيب أن عدة النساء جعلت وقتا لإيقاع طلاقهن فكني بالعدة عن الطهر لأن المطلقة تعتد بالإظهار .
وفائدة ذلك أن يكون إيماء إلى حكمه هذا التشريع وهي أن يكون الطلاق عند ابتداء العدة وإنما تبتدأ العدة بأول طهر من أطهار ثلاثة لدفع المضرة عن الطلقة بإطالة انتظار تزويجها لأن ما بين حيضها إذا طلقت فيه وبين طهرها أيام غير محسوبة في عدتها فكان أكثر المطلقين يقصدون بذلك إطالة مدة العدة ليوسعوا على أنفسهم زمن الارتياء للمراجعة قبل أن يبن منهم .
وفعل ( طلقتم ) مستعمل في معنى أردتم الطلاق وهو استعمال وارد ومنه قوله تعالى ( يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) الآية والقرينة ظاهرة .
والآية تدل على إباحة التطليق بدلالة الإشارة لأن القرآن لا يقدر حصول فعل محرم من دون أن يبين منعه .
A E والطلاق مباح لأنه قد يكون حاجيا لبعض الأزواج فإن الزوجين شخصان اعتشرا اعتشارا حديثا في الغالب لم تكن بينهما قبله صلة من نسب ولا جوار ولا تخلق بخلق متقارب أو متماثل فيكثر أن يحدث بينهما بعد التزوج تخالف في بعض نواحي المعاشرة قد يكون شديدا ويعسر تذليله فيمل أحدهما ولا يوجد سبيل إلى إراحتهما من ذلك إلا التفرقة بينهما فأحله الله لأنه حاجي ولكنه ما أحله إلا لدفع الضر فلا ينبغي أن يجعل الإذن فيه ذريعة للنكاية من أحد الزوجين بالآخر . أو من ذوي قرابتهما أو لقصد تبديل المذاق . ولذلك قال النبي A : ( أبغض الحلال إلى الله الطلاق ) .
وتعليق ( طلقتم ) بإذا الشرطية مشعر بأن الطلاق خلاف الأصل في علاقة الزوجين التي قال الله فيها ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة )