وقوله ( والله عنده أجر عظيم ) عطف على جملة ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) لأن قوله ( عنده أجر عظيم ) كناية عن الجزاء عن تلك الفتنة لمن يصابر نفسه على مراجعة ما تسوله من الانحراف عن مرضاة الله إن كان في ذلك تسويل . والأجر العظيم على إعطاء حق المال والرأفة بالأولاد أي والله يؤجركم عليها . لقول النبي A " من ابتلى من هذه البنات بشيء وكن له سترا من النار " . وفي حديث آخر " إن الصبر على سوء خلق الزوجة عبادة " .
والأحاديث كثيرة في هذا المعنى منها ما رواه حذيفة فتنة الرجل في أهله وماله تكفرها الصلاة والصدقة .
( فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون [ 16 ] ) فاء فصيحة وتفريع على ما تقدم أي إذا علمتم هذا فاتقوا الله فيما يجب من التقوى في معاملة الأولاد والأزواج ومصارف في الأموال فلا يصدكم حب ذلك والشغل به عن الواجبات ولا يخرجكم الغضب ونحوه عن حد العدل المأمور به ولا حب المال عن أداء حقوق الأموال وعن طلبها من وجوه الحلال . فالأمر بالتقوى شامل للتحذير المتقدم وللترغيب في العفو كما تقدم ولما عدا ذلك .
والخطاب للمؤمنين .
وحذف متعلق ( اتقوا ) لقصد تعميم ما يتعلق بالتقوى من جميع الأحوال المذكورة وغيرها وبذلك يكون هذا الكلام كالتذييل لأن مضمونه أعم من مضمون ما قبله .
ولما كانت التقوى في شأن المذكورات وغيرها قد يعرض لصاحبها التقصير في إقامتها حرصا على إرضاء شهوة النفس في كثير من أحوال تلك الأشياء زيد تأكيد الأمر بالتقوى بقوله ( ما استطعتم ) .
( وما ) مصدرية ظرفية أي مدة استطاعتكم ليعم الأزمان كلها ويعم الأحوال تبعا لعموم الأزمان ويعم الاستطاعات فلا يتخلوا عن التقوى في شيء من الأزمان . وجعلت الأزمان ظرفا للاستطاعة لئلا يقصروا بالتفريط في شيء يستطيعونه فيما أمروا بالتقوى في شأنه ما لم يخرج عن حد الاستطاعة إلى حد المشقة قال تعالى ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) .
فليس في قوله ( ما استطعتم ) تخفيف ولا تشديد ولكنه عدل . وإنصاف . ففيه ما عليهم وفيه ما لهم .
A E روى البخاري عن جابر بن عبد الله قال : بايعت رسول الله A على السمع والطاعة فلقنني : " فيما استطعت " وعن ابن عمر كنا إذا بايعنا النبي A على السمع والطاعة يقول لنا ( فيما استطعت ) .
وعطف ( واسمعوا وأطيعوا ) على ( اتقوا الله ) من عطف الخاص على العام للاهتمام به ولأن التقوى تتبادر في ترك المنهيات فإنها مشتقة من وقى . فتقوى الله أن يقي المرء نفسه مما نهاه الله عنه ولما كان ترك المأمورات فيؤول إلى إتيان المنهيات لأن ترك الأمر منهي عنه إذ الأمر بالشيء نهي عن ضده . كان التصريح به بخصوصه اهتماما بكلا الأمرين لتحصل حقيقة التقوى الشرعية وهي اجتناب المنهيات وامتثال المأمورات .
والمراد : اسمعوا الله أي أطيعوا بالسمع للرسول A وطاعته .
والأمر بالسمع أمر يتلقى الشريعة والإقبال على سماع مواعظ النبي A وذلك وسيلة التقوى قال تعالى ( فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ) .
وعطف عليه ( وأطيعوا ) : أي أطيعوا ما سمعتم من أمر ونهي .
وعطف ( وأنفقوا ) تخصيص بعد تخصيص فإن الإنفاق مما أمر الله به فهو من المأمورات .
وصيغة الأمر تشتمل واجب الإنفاق والمندوب ففيه التحريض على الإنفاق بمرتبتيه وهذا من الاهتمام بالنزاهة من فتنة المال التي ذكرت في قوله ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) .
وانتصب ( خيرا ) على الصفة لمصدر محذوف دل عليه ( أنفقوا ) . والتقدير : إنفاقا خيرا لأنفسكم . هذا قول الكسائي والفراء فيكون ( خير ) اسم تفضيل . وأصله : أخير وهو محذوف الهمزة لكثرة الاستعمال أي الإنفاق خير لكم من الإمساك . وعن سيبويه أنه منصوب على أنه مفعول به لفعل مضمر دل عليه ( أنفقوا ) . والتقدير : ائتوا خيرا لأنفسكم .
وجملة ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) تذييل