وقال أبو حنيفة والشافعي في أول قوليه " المرجوع عنه " وأبو يوسف ومحمد في رواية : الفرض بالأصل هو الظهر وصلاة الجمعة بدل عن الظهر وهو الذي صححه فقهاء الحنفية .
وقال محمد في رواية عنه : الفرض إحدى الصلاتين من غير تعيين والتعيين للمكلف فأشبه الواجب المخبر " لأن الواجب المخير لا يأثم فيه فاعل أحد الأمرين وتارك الجمعة بدون عذر آثم " .
قالوا : تظهر فائدة الخلاف في حر مقيم صلى الظهر في أول الوقت ؛ فقال أبو حنيفة وأصحابه : له صلاة الظهر مطلقا حتى لو خرج بعد أن صلى الظهر أو لم يخرج لم يبطل فرضه لكن عند أبي حنيفة يبطل ظهره بمجرد السعي مطلقا وعند صاحبيه لا يبطل ظهره إلا إذا أدرك الجمعة .
وقال مالك والشافعي : لا يجوز أن يصلي الظهر يوم الجمعة سواء أدرك الجمعة أم لا خرج إليها أم لا " يعني فإن أدرك الجمعة فالأمر ظاهر وإن لم يدركها وجب عليه أن يصلي ظهرا آخر .
والنداء للصلاة : الأذان المعروف وهو أذان الظهر ورد في الصحيح عن السائب بن يزيد قال : كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي A وأبي بكر وعمر . قال السائب بن يزيد : فلما كان عثمان وكثر الناس بالمدينة زاد أذانا على الزوراء " الزوراء موضع بسوق المدينة " . وربما وصف في بعض الروايات بالأذان الثاني . ومعنى كونه ثانيا أنه أذان مكرر للأذان الأصلي فهو ثان في المشروعية ولا يريد أنه يؤذن به بعد الفراغ من الأذان الذي يؤذن به وقت جلوس الإمام على المنير أي يؤذن به في باب المسجد إذ لم يكن للناس يومئذ صومعة وربما وقع في بعض الروايات وصفه بالنداء الثالث وإنما يعني بذلك أنه ثالث بضميمه الأذان الأول . ولا يراد أن الناس يؤذنون أذانين في المسجد وإنما زاده عثمان ليسمع النداء من في أطراف المدينة وربما سموه الأذان الأول .
A E والذي يظهر من تحقيق الروايات أن هذا الأذان الثاني يؤذن به عقب الأذان الأول لأن المقصود حضور الناس للصلاة في وقت واحد ووقع في بعض عبارات الروايات والرواة أنه كان يؤذن بأذان الزوراء أولا ثم يخرج الإمام فيؤذن بالأذان بين يديه .
قال ابن العربي في العارضة : لما كثر الناس في زمن عثمان زاد النداء على الزوراء ليشعر الناس بالوقت فيأخذوا بالإقبال إلى الجمعة ثم يخرج عثمان فإذا جلس على المنبر أذن الثاني الذي كان أولا على عهد رسول الله A ثم يخطب . ثم يؤذن الثالث يعني به الإقامة اه .
وقال في الأحكام : وسماه في الحديث " أي حديث السائب بن يزيد " ثالث لأنه إضافة إلى الإقامة فجعله ثالث الإقامة " أي لأنه أحدث بعد أن كانت الإقامة مشروعة وسمى الإقامة أذانا مشاكلة أو لأنها إيذان بالدخول في الصلاة " كما قال النبي A : " بين كل أذانين صلاة لمن شاء " يعني بين الأذان والإقامة فتوهم الناس أنه أذان أصلي فجعلوا الأذانات ثلاثة فكان وهما . ثم جمعوهم في وقت واحد فكان وهما على وهم اه . فتوهم كثير من أهل الأمصار أن الأذان لصلاة الجمعة ثلاث مرات لهذا تراهم يؤذنون في جوامع تونس ثلاثة أذانات وهو بدعة .
قال ابن العربي في العارضة : فأما بالمغرب " أي بلاد المغرب " فيؤذن ثلاثة من المؤذنين لجهل المفتين في الرسالة : " وهذا الأذان الثاني أحدثه بنو أمية " فوصفه بالثاني وهو التحقيق ولكنه نسبة إلى بني أمية لعدم ثبوت أن الذي زاده عثمان ورواه البخاري وأهل السنن عن السائب بن يزيد ولم يره مسلم ولا مالك في الموطأ .
والسبب في نسبته إلى بني أمية : أن علي بن أبي طالب لما كان بالكوفة لم يؤذن الجمعة إلا أذانا واحدا كما كان في زمن النبي A وألغي الأذان الذي جعله عثمان بالمدينة . فلعل الذي أرجع الأذان الثاني بعض خلفاء بني أمية قال مالك في المجموعة : إن هشام بن عبد الملك أحدث أذانا ثانيا بين يديه في المسجد .
واعلم أن النداء الذي نيط به الأمر بالسعي قي هذه الآية هو النداء الأول وما كان النداء الثاني إلا تبليغا للأذان لمن كان بعيد فيجب على من سمعه السعي إلى الجمعة للعلم بأنه قد نودي للجمعة .
والسعي : أصله الاشتداد في المشي . وأطلق هنا على المشي بحرص التأخر مجازا