ثم أحدثوا أسماء لهذه الأيام هي : الأحد الاثنين الثلاثاء " بفتح المثلثة الأولى وبضمها " الأربعاء " بكسر الهمزة وكسر الموحدة " الخميس عروبة أو الجمعة " في قول بعضهم " السبت . " وأصل السبت : القطع سمي سبتا عند الإسرائيليين لأنهم يقطعون فيه العمل وشاع ذلك الاسم عند العرب " .
وسموا الأيام الأربعة بعده بأسماء مشتقة عن أسماء العدد على ترتيبها وليس في التوراة ذكر أسماء للأيام . وفي سفر التكوين منها " ذكرت أيام بدء الخلق بأعدادها أول وثان " الخ وأن الله لم يخلق شيئا في اليوم الذي بعد اليوم السادس . وسمته التوراة سبتا قال السهيلي : قيل أول من سمى يوم عروبة الجمعة كعب بن لؤي جد أبي قصي . وكان قريش يجتمعون فيه إلى كعب قال : وفي قول بعضهم . لم يسم يوم عروبة يوم الجمعة إلا مذ جاء الإسلام .
جعل الله يوم الجمعة للمسلمين عيد الأسبوع فشرع لهم اجتماع أهل البلد في المسجد وسماع الخطبة ليعلموا ما يهمهم في إقامة شؤون دينهم وإصلاحهم .
قال القفال : لما جعل الله الناس أشرف العالم السفلي لم يخف عظم المنة وجلالة قدر موهبته لهم فأمرهم بالسكر على هذه الكرامة في يوم من الأيام السبعة ليكون في اجتماعهم في ذلك اليوم تنبيه على عظم ما أنعم الله به عليهم . ولكل أهل ملة معروفة يوم من الأسبوع معظم فلليهود يوم السبت وللنصارى الأحد وللمسلمين يوم الجمعة . وقد قال النبي A : " نحن الآخرون " أي آخر الدنيا السابقون يوم القيامة " يوم القيامة يتعلق ب " السابقون " . بيد أنهم " أي اليهود والنصارى " أوتوا الكتاب من قبلنا ثم كان هذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله إليه فالناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد .
A E ولما جعل يوم الجمعة يوم شكر وتعظيم نعمة احتج فيه إلى الاجتماع الذي تقع به شهرته فجمعت الجماعات لذلك واحتيج فيه إلى الخطبة تذكيرا بالنعمة وحثا على استدامتها . ولما كان مدار التعظيم إنما هو على الصلاة جعلت الصلاة لهذا اليوم وسط النهار ليتم الاجتماع ولم تجز هذه الصلاة إلا في مسجد واحد ليكون أدعى الاجتماع اه . كلام القفال . وقول النبي A : والنصارى بعد غد إشارة إلى ما عمله النصارى بعد المسيح وبعد الحواريين من تعويض يوم السبت بيوم الأحد لأنهم زعموا أن يوم الأحد فيه قام عيسى من قبره . فعوضوا الأحد عن يوم السبت بأمر من قسطنطين سلطان الروم في سنة 321 المسيحي . وصار دينا لهم بأمر أحبارهم .
وصلاة الجمعة هي صلاة ظهر يوم الجمعة وليست صلاة زائدة على الصلوات الخمس فأسقط من صلاة الظهر ركعتان لأجل الخطبتين . روي عن عمر بن الخطاب أنه قال : وإنما قصرت الجمعة لأجل الخطبة .
وأحسب أن ذلك تخفيف على الناس إذ وجبت عليهم خطبتان مع الصلاة فكانت كل خطبة بمنزلة ركعة وهذا سبب الجلوس بين الخطبتين للإيماء إلى أنهما قائمتان مقام الركعتين ولذلك كان الجلوس خفيفا . غير أن الخطبتين لم تعطيا أحكام الركعتين فلا يضر فوات إحداهما أو فواتهما معا ولا يجب على المسبوق تعويضهما ولا سجود لنقصهما عند جمهور فقهاء الأمصار روي عن عطاء ومجاهد وطاووس : أن من فاتته الخطبة يوم الجمعة صلى أربعا صلاة الظهر . وعن عطاء : أن من أدرك ركعة من صلاة الجمعة أضاف إليها ثلاث ركعات وهو أراد أن فاتته الخطبة وركعة من صلاة الجمعة .
وجعلت القراءة في الصلاة جهرا مع أن شأن صلوات النهار إسرار القراءة لفائدة إسماع الناس سورا من القرآن كما أسمعوا الخطبة فكانت صلاة إرشاد لأهل البلد في يوم من كل أسبوع .
والإجماع على أن صلاة الجمعة قائمة مقام صلاة الظهر في يوم الجمعة فمن صلاها لا يصلي معها ظهرا فأما من لم يصلها لعذر أو لغيره فيجب عليه أن يصلي الظهر . ورأيت في الجامع الأموي في دمشق قام إمام يصلي بجماعة ظهرا بعد الفراغ من صلاة الجمعة وذلك بدعة .
وإنما اختلف الأئمة في أصل الفرض في وقت الظهر يوم الجمعة فقال مالك والشافعي في آخر قوليه وأحمد وزفر من أصحاب أبي حنيفة : صلاة الجمعة المعروفة فرض وقت الزوال في يوم الجمعة وصلاة الظهر في ذلك اليوم لا تكون إلا بدلا عن صلاة الجمعة أي لمن لم يصل الجمعة لعذر ونحوه