وتقدم عند قوله تعالى ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ) في سورة الكهف . وفي سورة الحج أيضا .
والإنباء بما كانوا يعملون كناية عن الحساب عليه وهو تعريض بالوعيد .
( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون [ 9 ] فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون [ 10 ] ) هذه الآيات هي المقصود من السورة وما قبلها مقدمات وتوطئات لها كما ذكرناه آنفا . وقد تقدم ما حكاه الكشاف من أن اليهود افتخروا على المسلمين بالسبت فشرع الله للمسلمين الجمعة . فهذا وجه اتصال هذه الآية بالآيات الأربع التي قبلها فكن لهذه الآية تمهيدا وتوطئة . واللام في قوله ( للصلاة ) لام التعليل أي نادى مناد لأجل الصلاة من يوم الجمعة فعلم أن النداء هنا هو أذان الصلاة .
والجمعة بضم الجيم وضم الميم في لغة جمهور العرب وهو لغة أهل الحجاز . وبنو عقيل بسكون الميم .
والتعريف في ( الصلاة ) تعريف العهد وهي الصلاة المعروفة الخاصة بيوم الجمعة . وقد ثبتت شرعا بالتواتر ثم تقررت بهذه الآية فصار دليل وجوبها في الكتاب والسنة المتواترة وإجماع الأمة .
وكانت صلاة الجمعة مشروعة من أول أيام الهجرة . روي عن ابن سيرين أن الأنصار جمعوا الجمعة قبل أن يقدم النبي A المدينة قالوا : إن اليهود يوما يجتمعون فيه وللنصارى يوم مثل ذلك فتعالوا فلنجتمع حتى نجعل يوما لنا نذكر الله ونصلي فيه . وقالوا : أن لليهود السبت وللنصارى الأحد فاجعلوه يوم العروبة . فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم .
A E وروى البيهقي عن الزهري أن مصعب بن عمير كان أول من جمع الجمعة بالمدينة قبل أن يقدمها رسول الله A ويتعين أن يكون ذلك قد علم به النبي A ولعلهم بلغهم عن النبي A حديث فضل يوم الجمعة وأنه يوم المسلمين .
فمشروعية صلاة الجمعة والتجميع فيه إجابة من الله تعالى رغبة المسلمين مثل أجابته رغبة النبي A استقبال الكعبة المذكورة في قوله تعالى ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام ) .
وأما أول جمعة جمعها النبي A فقال أهل السير : كانت في اليوم الخامس للهجرة لأن رسول الله قدم المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول فأقام بقباء ثم خرج يوم الجمعة إلى المدينة فأدركه وقت الجمعة في بطن واد لبني سالم بن عوف كان لهم فيه مسجد فجمع بهم في ذلك المسجد وخطب فيه أول خطبة خطبها بالمدينة وهي طويلة ذكر نصها القرطبي في تفسيره .
وقولهم ( فأدركه وقت الجمعة ) يدل على أن صلاة الجمعة كانت مشروعة يومئذ وأن النبي A كان عازما أن يصليها بالمدينة فضاق عليه الوقت فأداها في مسجد بني سالم ثم صلى الجمعة القابلة في مسجده بالمدينة وكانت جمعة المسجد النبوي بالمدينة الثانية بالأخبار الصحيحة .
وأول جمعة جمعت في مسجد من مساجد بلاد الإسلام بعد المدينة كانت في مسجد جؤاثاء من بلاد البحرين وهي مدينة الخط قرية لعبد القيس . ولما ارتدت العرب بعد وفاة النبي A ثبت أهل جؤاثاء على الإسلام .
وتقرر أن يوم الجمعة اليوم السابع من أيام الأسبوع في الإسلام وهو الذي كان يسمى في الجاهلية عروبة . قال بعض الأئمة : ولا تدخل عليه اللام . قال السهيلي : معنى العروبة الراحة فيما بلغني عن بعض أهل العلم اه . قلت وذلك مروي عن ثعلب وهو قبل يوم السبت وقد كان يوم السبت عيد الأسبوع عند اليهود وهو آخر أيام الأسبوع . وقد فرضت عليهم الراحة فيه عن الشغل بنص التوراة فكانوا يبتدئون عدد أيام الأسبوع من يوم الأحد وهو الموالي للسبت وتبعهم العرب في ذلك لأسباب غير معروفة ولذلك سمي العرب القدماء يوم الأحد " أول " .
فأيام الأسبوع عند العرب في القديم هي : أول أهون جبار " كغراب وكتاب " دبار " كذلك " مؤيس " مهموزا " عروبة شيار " بشين معجمة مكسورة بعدها تحتية مخففة "