و ( إن ) مخففة من الثقيلة وهي مهملة عن العمل في اسمها وخبرها . وقد سد مسدها فعل " كان " كما هو غالب استعمال ( إن ) المخففة . واللام في قوله ( لفي ضلال مبين ) تسمى اللام الفارقة أي التي تفيد الفرق بين ( إن ) النافية و ( إن ) المخففة من الثقيلة وما هي إلا اللام التي أصلها أن تقترن بخبر ( إن ) إذ الأصل : وإنهم لفي ضلال مبين لكن ذكر اللام مع المخففة واجب غالبا لئلا تلتبس بالنافية إلا إذا أمن اللبس .
( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم [ 2 ] ) لا يجوز أن يكون ( وآخرين ) عطفا على ( الأميين ) لأن آخرين يقتضي المغايرة لما يقابله فيقتضي أنه صادق على غير الأميين أي غير العرب والرسول A لم يكن بين غير العرب فتعين أن لا يعطف ( وآخرين ) على ( الأميين ) لئلا يتعلق بفعل ( بعث ) مجرور القي ولا على الضمير في قوله ( منهم ) كذلك .
فهو إما معطوف على الضمير في ( عليهم ) من قوله ( يتلو عليهم ) والتقدير : يتلو على آخرين وإذا كان يتلو عليهم فقد علم أنه مرسل إليهم لأن تلاوة الرسول A لا تكون إلا تلاوة تبليغ لما أوحى به إليه .
وإما أن يجعل ( وآخرين ) مفعولا معه . والواو للمعية ويتنازعه الأفعال الثلاثة وهي ( يتلو ويزكي ويعلم ) . والتقدير : يتلو على الأميين آياتنا ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة مع آخرين .
وجملة ( وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) معترضة بين المعطوف والمعطوف عليها أو بين الضمائر والمفعول معه . و ( آخرين ) : جمع آخر وهو المغاير في وصف مما دل عليه السياق . وإذ قد جعل ( آخرين ) هنا مقابلا للأميين كان مرادا به آخرون غير الأميين أي من غير العرب المعنيين بالأميين .
A E فلو حملنا المغايرة على المغايرة بالزمان أو المكان أي مغايرين للذين بعث فيهم الرسول وجعلنا قوله ( منهم ) بمعنى أنهم من الأميين وقلنا : أريد وآخرين من العرب غير الذين كان النبي A فيهم أي عربا آخرين غير أهل مكة وهم بقية قبائل العرب ناكده ما روى البخاري ومسلم والترمذي يزيد أخرهم على الأولين عن أبي هريرة قال : " كنا جلوسا عند النبي A فأنزلت عليه سورة الجمعة فتلاها فلما بلغ ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) قال له رجل : من هم يا رسول الله ؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلاثا وفينا سلمان الفارسي ووضع رسول الله يده على سلمان وقال : لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء ؟ وهذا وارد مورد التفسير لقوله تعالى ( وآخرين ) .
والذي يلوح أنه تفسير بالجزئي على وجه المثال ليفيد أن ( آخرين ) صادق على أمم كثيرة منها أمة فارس وأما شموله لقبائل العرب فهو بالأولى لأنهم مما شملهم لفظ الأميين .
ثم بنا أن ننظر إلى تأويل قوله تعالى ( منهم ) . قلنا أن نجعل ( من ) تبعيضية كما هو المتبادر من معانيها فنجعل الضمير المجرور ب ( من ) عائدا إلى ما عاد إليه ضمير ( كانوا ) من قوله ( وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) فالمعنى : وآخرين من الضالين يتلو عليهم آيات الله ويزكيهم الكتاب والحكمة ولنا أن نجعل ( من ) اتصالية كالتي في قوله تعالى ( لست منهم في شيء ) ؟ والمعنى : وآخرين يتصلون بهم ويصيرون في جملتهم ويكون قوله ( منهم ) موضع الحال وهذا الوجه يناسب قوله تعالى ( لما يلحقوا بهم ) لأن اللحوق هو معنى الاتصال .
وموضع جملة ( لما يلحقوا بهم ) موضع الحال وينشأ عن هذا المعنى إيماء إلى أن الأمم التي تدخل في الإسلام بعد المسلمين الأولين يصيرون مثلهم وينشأ منه أيضا رمز إلى أنهم يتعربون لفهم الدين والنطق بالقرآن فكم من معان جليلة حوتها هذه الآية سكت عنها أهل التفسير .
وهذه بشارة غيبية بأن دعوة النبي A ستبلغ أمما ليسوا من العرب وهم فارس . والأرمن . والأكراد . والبربر . والسودان . والروم . والترك . والتتار . والمغول . والصين . والهنود وغيرهم وهذا من معجزات القرآن من صنف الإخبار بالمغيبات .
وفي الآية دلالة على عموم رسالة النبي A لجميع الأمم