و ( ما ) مصدرية أي كقول عيسى وقول الحواريين . وفيه حذف مضاف تقديره : لكون قول عيسى وقول الحواريين . فالتشبيه بمجموع الأمرين قول عيسى وجواب الحواريين لأن جواب الحواريين بمنزلة الكلام المفرع على دعوة عيسى وإنما تحذف الفاء في مثله من المقاولات والمحاورات للاختصار كما تقدم في قوله تعالى ( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ) في سورة البقرة .
وقول عيسى ( من أنصاري إلى الله ) استفهام لاختبار انتدابهم إلى نصر دين الله معه نظير قول طرفه : .
إذا القوم قالوا من فتى خلت إنني ... عنيت فلم أكسل ولم أتبلد وإضافة ( أنصار ) إلى ياء المتكلم وهو عيسى باعتبارهم أنصار دعوته .
و ( إلى الله ) متعلق ب ( أنصاري ) . ومعنى ( إلى ) الانتهاء المجازي أي متوجهين إلى الله شبه دعاؤهم إلى الدين وتعليمهم الناس ما يرضاه الله لهم بسعي ساعتين إلى الله لينصروه كما يسعى المستنجد بهم إلى مكان مستنجدهم لينصره على من غلبه .
ففي حرف ( إلى ) استعارة تبعية ولذلك كان الجواب المحكي عن الحواريين مطابقا للاستفهام إذ قالوا : نحن أنصار الله أي نحن ننصر الله على من حاده وشاقه أي ننصر دينه .
والحواريون : جمع حواري بفتح الحاء وتخفيف الواو وهي كلمة معربة عن الحبشية " حواريا " وهو الصاحب الصفي وليست عربية الأصل ولا مشتقة من مادة عربية وقد عدها الضحاك في جملة الألفاظ المعربة لكنه قال : إنها نبطية . ومعنى الحواري الغسال كذا في الإتقان .
والحواريون : اسم أطلقه القرآن على أصحاب عيسى الاثنى عشر ولا شك أنه كان معروفا عند نصارى العرب أخذوه من نصارى الحبشة . ولا يعرف هذا الاسم في الأناجيل .
A E وقد سمي النبي A الزبير بن العوام حواريه على التشبيه بأحد الحواريين فقال : " لكل نبي حواري وحواري الزبير " . وقد تقدم ذكر الحواريين في قوله تعالى ( قال الحواريون نحن أنصار الله ) في سورة آل عمران .
واعلم أن مقالة عيسى عليه السلام المحكية في هذه الآية غير مقالته المحكية في آية آل عمران فإن تلك موجهة إلى جماعة بني إسرائيل الذين أحس منهم الكفر لما دعاهم إلى الإيمان به .
أما مقالته المحكية هنا فهي موجهة للذين آمنوا به طالبا منهم نصرته لقوله تعالى ( كما قال عيسى ابن مرين للحواريين ) الآية فلذلك تعين اختلاف مقتضى الكلامين المتماثلين . وعلى حسب اختلاف المقامين يجرى اختلاف اعتبار الخصوصيات في الكلامين وإن كانا متشابهين فقد جعلنا هنالك إضافة ( أنصار الله ) إضافة لفظية وبذلك لم يكن قولهم ( نحن أنصار الله ) مفيدا للقصر لانعدام تعريف المسند . فأما هنا فالأظهر أن كلمة ( أنصار الله ) اعتبرت لقبا للحواريين غرفوا أنفسهم به وخلعوه على أنفسهم فلذلك أرادوا الاستدلال به على أنهم أحق الناس بتحقيق معناه ولذلك تكون إضافة ( أنصار ) إلى اسم الجلالة هنا إضافة معنوية مفيدة تعريفا فصارت جملة ( نحن أنصار الله ) هنا مشتملة على صيغة قصر على خلاف نظيرتها التي في سورة آل عمران .
ففي حكاية جواب الحواريين هنا خصوصية صيغة القصر بتعريف المسند إليه والمسند . وخصوصية التعريف بالإضافة . فكان إيجازا في حكاية جوابهم بأنهم أجابوا بالانتداب إلى نصر الرسول ويجعل أنفسهم محقوقين بهذا النصر لأنهم محضوا أنفسهم لنصر الدين وعرفوا بذلك وبحصر نصر الذين فيهم حصرا يفيد المبالغة في تمحضهم له حتى كأنه لا ناصر للدين غيرهم مع قلتهم وإفادته التعريض بكفر بقية قومهم من بني إسرائيل .
وفرع على قول الحوارين ( نحن أنصار ) الأخبار بأن بني إسرائيل افترقوا طائفتين طائفة آمنت بعيسى وما جاء به وطائفة كفرت بذلك وهو التفريع يقتضي كلاما مقدرا وهو فنصروا الله بالدعوة والمصابرة عليها فاستجاب بعض بني إسرائيل وكفر بعض وإنما استجاب لهم من بني إسرائيل عدد قليل فقد جاء في إنجيل " لوقا " أن أتباع عيسى كانوا أكثر من سبعين .
والمقصود من قوله ( فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ) التوطئة لقوله ( فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ) والتأييد النصر والتقوية أيد الله أهل النصرانية بكثير ممن اتبع النصرانية بدعوة الحواريين وأتباعهم مثل بولس