ووصف التجارية بأنها تنجي من عذاب أليم تجريد للاستعارة لقصد الصراحة بهذه الفائدة لأهميتها وليس الإنجاء من العذاب من شأن التجارة فهو من مناسبات المعنى الحقيقي للعمل الصالح .
وجملة ( تؤمنون بالله ورسوله ) مستأنفة استئنافا بيانيا لأن ذكر الدلالة مجمل والتشويق الذي سبقها مما يشير في أنفس السامعين التساؤل عن هذا الذي تدلنا عليه وعن هذه التجارة .
وإذ قد كان الخطاب لقوم مؤمنين فإن فعل ( تؤمنون بالله ) مع ( وتجاهدون ) مراد به تجمعون بين الإيمان بالله ورسوله وبين الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم تنويها بشأن الجهاد . وفي التعبير بالمضارع إفادة الأمر بالدوام على الإيمان وتجديده في كل آن وذلك تعريض بالمنافقين وتحذير من التغافل عن ملازمة الإيمان وشؤونه .
وأما ( تجاهدون ) فإنه لإرادة تجدد الجهاد إذا استنفروا إليه .
ومجيء ( يغفر ) مجزوما تنبيه على أن ( تؤمنون ) ( وتجاهدون ) وإن جاءا في صيغة الخبر فالمراد الأمر لأن الجزم إنما يكون في جواب الطلب لا في جواب الخبر . قال المبرد والزمخشري .
وقال الفراء : جزم ( يغفر ) لأنه جواب ( هل أدلكم ) أي لأن متعلق ( أدلكم ) هو التجارة المفسرة بالإيمان والجهاد فكأنه قيل : هل تنجرون بالإيمان والجهاد يغفر لكم ذنوبكم .
وإنما جيء بالفعلين الأولين على لفظ الخبر للإيذان بوجوب الامتثال حتى يفرض المأمور كأنه سمع الأمر وأمتثله .
وقرأ الجمهور ( تنجيكم ) بسكون النون وتخفيف الجيم . وقرأه ابن عامر بفتح النون وتشديد الجيم يقال : أنجاه ونجاه .
والإشارة ب ( ذلكم ) إلى الإيمان والجهاد بتأويل : المذكور : خير .
و ( خير ) هذا ليس اسم تفضيل الذي أصله أخير ووزنه : أفعل بل هو اسم لضد الشر ووزنه : فعل .
وجمع قوله ( خير ) ما هو خير الدنيا وخير الآخرة .
A E وقوله ( إن كنتم تعلمون ) تعريض لهم بالعتاب على توليهم يوم أحد بعد أن قالوا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه فتدبوا إلى الجهاد فكان ما كان منهم يوم أحد كما تقدم في أول السورة فنزلوا منزلة من يشك في عملهم بأنه خير لعدم جريهم على موجب العلم .
والمساكن الطيبة : هي القصور التي في الجنة قال تعالى ( ويجعل لك قصورا ) .
وإنما خصت المساكن بالذكر هنا لأن في الجهاد مفارقة مساكنهم فوعدوا على تلك المفارقة المؤقتة بمساكن أبدية . قال تعالى ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم ) إلى قوله ( ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله ) الآية .
( وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب ) عطف على جملة ( يغفر لكم ) ( ويدخلكم ) عطف الاسمية على الفعلية . وجيء بالاسمية لإفادة الثبوت والتحقق . ف ( أخرى ) مبتدأ خبره محذوف دل عليه قوله ( لكم ) من قوله ( يغفر لكم ) . والتقدير : أخرى لكم ولك أن تجعل الخبر قوله ( نصر من الله ) .
وجيء به وصفا مؤنثا بتأويل نعمة أو فضيلة أو حصله مما يؤذن به قوله ( يغفر لكم ذنوبكم ) إلى آخره من معنى النعمة والخصلة كقوله تعالى ( وأخرى لم تقدروا عليها ) في سورة الفتح .
ووصف ( أخرى ) بجملة ( تحبونها ) إشارة إلى الامتنان عليهم بإعطائهم ما يحبون في الحياة الدنيا قبل إعطاء نعيم الآخرة . وهذا نظير قوله تعالى ( فلنولينك قبلة ترضاها ) .
و ( نصر من الله ) بدل من أخرى ويجوز أن يكون خبرا عن أخرى . والمراد به النصر العظيم وهو نصر فتح مكة فإنه كان نصرا على أشد أعدائهم الذين فتنوهم وآذوهم وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم وألبوا عليهم العرب والأحزاب . وراموا تشويه سمعتهم وقد انضم إليه نصر الدين بإسلام أولئك الذين كانوا من قبل أئمة الكفر ومساعير الفتنة فأصبحوا مؤمنين إخوانا وصدق الله وعده بقوله ( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ) وقوله ( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ) .
وذكر اسم الجلالة يجوز أن يكون إظهارا في مقام الإضمار على احتمال أن يكون ضمير التكلم في قوله ( هل أدلكم ) كلاما من الله تعالى ويجوز أن يكون جاريا على مقتضى الظاهر إن كان الخطاب أمر به رسول الله A بتقدير ( قل ) .
ووصف الفتح ب ( قريب ) تعجيل بالسمرة .
وهذه الآية من معجزات القرآن الراجعة إلى الإخبار بالغيب .
( وبشر المؤمنين [ 13 ] )