فالذي نوقن به أن محمل قوله " اسمه أحمد " يجري على جميع ما تحمله جزءا هذه الجملة من المعاني .
فأما لفظ " اسم " استعماله في كلام العرب ثلاثة استعمالات : أحدها : أن يكون بمعنى المسمى . قال أبو عبيدة : الاسم المسمى . ونسب ثعلب إلى سيبويه أن الاسم غير المسمى " أي إذا أطلق لفظ اسم في الكلام فالمعنى به مسمى ذلك الاسم " لكن جزم ابن السيد البطليوسي في كتابه الذي جعله في معاني الاسم هل هو عين المسمى أنه وقع في بعض مواضع من كتاب سيبويه أن الاسم هو المسمى ووقع في بعضها أنه غير المسمى فحمله ابن السيد البطليوسي على أنهما إطلاقان وليس ذلك باختلاف في كلام سيبويه وتوقف أبو العباس ثعلب في ذلك فقال : ليس لي فيه قول . ولما في هذا الاستعمال من الاحتمال بطل الاستدلال به .
الاستعمال الثاني : أن يكون الاسم بمعنى شهرة في الخير وأنشد ثعلب : .
لأعظمها قدرا وأكرمها أبا ... وأحسنها وجها وأعلنها سمى سمى لغة في اسم .
الاستعمال الثالث : أن يطلق على لفظ جعل دالا على ذات لتميز من كثير من أمثالها وهذا هو العلم .
A E ونحن نجري على أصلنا في حمل ألفاظ القرآن على جميع المعاني التي يسمح بها الاستعمال الفصيح كما في المقدمة التاسعة من مقدمات هذا التفسير فنحمل الاسم في قوله ( اسمه أحمد ) ما يجمع بين هذه الاستعمالات الثلاثة أي مسماة أحمد وذكره أحمد وعلمه أحمد ولنحمل لفظ أحمد على ما لا يأباه واحد من استعمالات اسم الثلاثة إذا قرن به وهو أن أحمد اسم تفضيل يجوز أن يكون مسلوب المفاضلة معنيا به القوة فيم هو مشتق منه أي الحمد وهو الثناء فيكون أحمد هنا مستعملا في قوة مفعولية الحمد أي حمد الناس إياه وهذا مثل قولهم . " العود أحمد " أي محمود كثيرا . فالوصف ب ( أحمد ) بالنسبة للمعنى الأول في اسم أن مسمى هذا الرسول ونفسه موصوفة بأقوى ما يحمد عليه محمود فيشمل ذلك جميع صفات الكمال النفسانية والخلقية والخلقية والنسبية والقومية وغير ذلك مما هو معدود من الكمالات الذاتية والغرضية .
ويصح اعتبار ( احمد ) تفضيلا حقيقيا في كلام عيسى عليه السلام أي مسماه أحمد مني أي أفضل أي في رسالته وشريعته . وعبارات الإنجيل تشعر بهذا التفضيل ففي إنجيل يوحنا في الإصحاح الرابع عشر " وأنا أطلب من الأب " أي من ربنا " فيعطيكم " فارقليط " آخر ليثبت معكم إلى الأبد روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه . ثم قال : وأما الفارقليط الروح القدس الذي سيرسله الأب ( الله ) فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم " أي في جملة ما يعلمكم أن يذكركم بكل ما قلته لكم . وهذا يفيد تفضيله على عيسى بفضيلة دوام شريعته المعبر عنها بقول الإنجيل " ليثبت معكم إلى الأبد " وبفضيلة عموم شرعه للأحكام المعبر عنه بقوله ( يعلمكم كل شيء ) .
والوصف ب ( أحمد ) على المعنى الثاني في الاسم . أن سمعته وذكره في جيله والأجيال بعده موصوف بأنه أشد ذكر محمود وسمعة محمودة . وهذا معنى قوله في الحديث " أنا حامل لواء الحمد يوم القيامة " وأن الله يبعثه مقاما محمودا .
ووصف ( أحمد ) بالنسبة إلى المعنى الثالث في الاسم رمز إلى أنه اسمه العلم يكون بمعنى : أحمد فإن لفظ محمد اسم مفعول من حمد اسم مفعول من حمد المضاعف الدال على كثرة حمد الحامدين إياه كما قالوا : فلان ممدح إذا تكرر مدحه من مادحين كثيرين .
فاسم ( محمد ) يفيد معنى : المحمود حمدا كثيرا ورمز إليه بأحمد .
وهذه الكلمة الجامعة التي أوحى الله بها إلى عيسى عليه السلام أراد الله بها أن تكون شعارا لجماع صفات الرسول الموعود به A صيغت بأقصى صيغة تدل على ذلك إجمالا بحسب ما تسمح اللغة بجمعه من معاني . ووكل تفصيلها إلى ما يظهر من شمائله قبل بعثته وبعدها ليتوسمها المتوسمون ويتدبر مطاويها الراسخون عند المشاهدة والتجربة .
جاء في إنجيل متي في الإصحاح الرابع والعشرين قول عيسى " ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرا ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم ثم يكون المنتهى " ومعنى يكرز يدعو وينبيء ومعنى يصير إلى المنتهى يتأخر إلى قرب الساعة