والصف : عدد من أشياء متجانبة منتظمة الأماكن فيطلق على صف المصلين وصف الملائكة وصف الجيش في ميدان القتال بالجيش إذا حضر القتال كان صفا من رجالة أو فرسان ثم يقع تقدم بعضهم إلى بعض فرادى أو زرافات .
فالصف هنا : كناية عن الانتظام والمقاتلة عن تدبر .
وأما حركات القتال فتعرض بحسب مصالح الحرب في اجتماع وتفرق وكر وفر . وانتصب ( صفا ) على الحال بتأويل : صافين أو مصفوفين .
والمرصوص : المتلاصق بعضه ببعض . والتشبيه في الثبات وعدم الانفلات وهو الذي اقتضاه التوبيخ السابق في قوله ( لم تقولون ما لا تفعلون ) .
( وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين [ 5 ] ) موقع هذه الآية هنا خفي المناسبة . فيجوز أن تكون الجملة معترضة استئنافا ابتدائيا انتقل به من النهي عن عدم الوفاء بما وعدوا الله عليه إلى التعريض بقوم آذوا النبي A بالقول أو بالعصيان أو نحو ذلك فيكون الكلام موجها إلى المنافقين فقد وسموا بأذى الرسول A قوله تعالى ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ) الآية . وقوله تعالى ( والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ) وقوله ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن ) .
وعلى هذا الوجه فهو اقتضاب نقل به الكلام من الغرض الذي قبله لتمامه إلى هذا الغرض أو تكون مناسبة وقعه في هذا الموقع حدوث سبب اقتضى نزوله من أذى قد حدث لم يطلع عليه المفسرون ورواة الأخبار وأسباب النزول .
والواو على هذا الوجه عطف غرض على غرض . وهو المسمى بعطف قصة على قصة .
A E ويجوز أن يكون من تتمة الكلام الذي قبلها ضرب الله مثلا للمسلمين لتحذيرهم من إتيان ما يؤذي رسوله A ويسوؤوه من الخروج عن جادة الكمال الذيني مثل عدم الوفاء بوعدهم في الإتيان بأحب الأعمال إلى الله تعالى . وأسفقهم من أن يكون ذلك سببا للزيغ والضلال كما حدث لقوم موسى لما آذوه .
وعلى هذا الوجه فالمراد بأذى قوم موسى إياه : عدم توخي طاعته ورضاه فيكون ذلك مشيرا إلى ما حكاه الله عنه من قوله ( يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين ) إلى قوله ( قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) . فإن قولهم ذلك استخفاف يدل لذلك قوله عقبه ( قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ) .
وقد يكون وصفهم في هذه الآية بقوله ( والله لا يهدي القوم الفاسقين ) ناظرا إلى وصفهم بذلك مرتين في آية سورة العقود في قوله ( فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ) وقوله ( فلا تأس على القوم الفاسقين ) .
فيكون المقصود الأهم من القصة هو ما تفرع على ذكرها من قوله ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) . ويناسب أن تكون هذه الآية تحذيرا من مخالفة أمر الرسول A وعبرة بما عرض لهم من الهزيمة يوم أحد لما خالفوا أمره من عدم ثبات الرماة في مكانهم .
وقد تشابهت القصتان في أن القوم فروا يوم أحد كافر قوم موسى يوم أريحا وفي أن الرماة الذين أمرهم رسول الله A أن لا يبرحوا مكانهم ( ولو تخطفنا الطير ) وأن ينضحوا عن الجيش بالنبال خشية أن يأتيه العدو من خلفه لم يفعلوا ما أمرهم به وعصوا أمر أميرهم عبد الله بن جبير وفارقوا موقفهم طلبا للغنيمة فكان ذلك سبب هزيمة المسلمين يوم أحد .
والواو على هذا الوجه عطف تحذير مأخوذ من قوله ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) على النهي الذي في قوله ( لم تقولون ما لا تفعلون ) الآية .
ويتبع ذلك تسلية الرسول A على ما حصل من مخالفة الرماة حتى تسببوا في هزيمة الناس .
و ( إذ ) متعلقة بفعل محذوف تقديره : اذكر وله نظائر كثيرة في القرآن أي اذكر لهم أيضا وقت قول موسى لقومه أو اذكر لهم مع هذا النهي وقت قول موسى لقومه .
وابتداء كلام موسى عليه السلام ب ( يا قوم ) تعريض بأن شأن قوم الرسول أن يطيعوه بله أن لا يؤذوه . ففي النداء بوصف ( قوم ) تمهيد للإنكار في قوله ( لم تؤذونني )