وحقيقة بين الأيدي والأرجل : أن يكون الكذب حاصلا في مكان يتوسط الأيدي والأرجل فإن كان البهتان على حقيقته وهو الخبر الكاذب كان افتراؤه بين أيديهن وأرجلهن أنه كذب مواجهة في وجه المكذوب عليه كقولها : يا فلانة زنيت مع فلان أو سرقت حلي فلانة . لتبهتها في ملأ من الناس أو أنت بنت زنى أو نحو ذلك .
وإن كان اليهتان بمعنى المكذوب كان معنى افترائه بين أيديهن وأرجلهن كناية عن ادعاء الحمل بأن تشرب ما ينفخ بطنها فتوهم زوجها أنها حامل ثم تظهر الطلق وتأتي بولد تلتقطه وتنسبه إلى زوجها لئلا يطلقها أو لئلا يرثه عصبته فهي تعظم بطنها وهو بين يديها ثم إذا وصل إبان إظهار الطلق وضعت الطفل بين رجليها وتحدثت وتحدث الناس بذلك فهو مبهوت عليه . فالافتراء هو ادعاؤها ذلك تأكيدا لمعنى البهتان .
وإن كان البهتان مستعارا للباطل الشبيه بالخبر البهتان كان ( بين أيديهن وأرجلهن ) محتملا للكناية عن تمكين المرأة نفسها من غير زوجها يقبلها أو يجسها فذلك بين يديها أو يزني بها وذلك بين أرجلها .
وفسره أبو مسلم الأصفهاني بالسحر إذ تعالج أموره بيديها وهي جالسة تضع أشياء السحر بين رجليها .
ولا يمنع من هذه المحامل أن النبي A بايع الرجال بمثلها . وبعض هذه المحامل لا يتصور في الرجال إذ يؤخذ لكل صنف ما يصلح له منها .
وبعد تخصيص هذه المنهيات بالذكر لخطر شأنها عمم النهي بقوله ( ولا يعصينك في معروف ) والمعروف هو ما لا تنكره النفوس . والمراد هنا المعروف في الدين فالتقييد به إما لمجرد الكشف فإن النبي A لا يامر إلا بالمعروف وإما لقصد التوسعة عليهن في أمر لا يتعلق بالدين كما فعلت بريرة إذ لم تقبل شفاعة النبي A في إرجاعها زوجها مغيثا إذ بانت منه بسبب عتقها وهو رقيق .
A E وقد روى في الصحيح عن أم عطية أن النبي A نهاهن في هذه المبايعة عن النياحة فقبضت امرأة يدها وقالت : اسعدتني فلانة أريد أن أجزيها . فما قال لها النبي A شيئا فانطلقت ورجعت فبايعها . وإنما هذا مثال لبعض المعروف الذي يأمرهن به النبي A تركه فاش فيهن .
وورد في أخبار أنه نهاهن عن تبرج الجاهلية وعن أن يحدثن الرجال الذين ليسوا بمحرم فقال عبد الرحمان بن عوف يا نبي الله إن لنا أضيافا وإنا تغيب قال رسول الله : ليس أولئك عنيت . وعن ابن عباس : نهاهن عن تمزيق الثياب وخدش الوجوه وتقطيع الشعور والدعاء بالوسل والثبور أي من شؤون النياحة في الجاهلية .
وروى الطبري بسنده إلى ابن عباس لما أخذ رسول الله A البيعة على النساء كانت هند بنت عتبة زوج أبي سفيان جالسة مع النساء متنكرة خوفا من رسول الله أن يقتص منها على شقها بطن حمزة وأخراجها كبده يوم أحد . فلما قال : على أن لا يشركن بالله شيئا قالت هند : وكيف نطمع أن يقبل منا شيئا لم يقبله من الرجال . فلما قال : ولا يسرقن . قالت هند : والله إني لأصيب من مال أبي سفيان هنات فما أدري أتحل لي أم لا ؟ فقال : أبو سفيان : ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال . فضحك رسول الله A وعرفها فدعاها فأتته فعاذت به وقالت : فاعف عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك . فقال : ولا يزنين . فقالت : أو تزني الحرة . قال : ولا يقتلن أولادهن . فقالت هند : ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا فأنتم وهم أعلم . تريد أن المسلمين قتلوا ابنها حنظلة بن أبي سفيان يوم بدر . فتبسم رسول الله A . فقال : ولا يأتين ببهتان يفترينه . فقالت : والله إن البهتان لأمر قبيح وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق . فقال : ولا يعصينك في معروف . فقالت : والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء .
فقوله ( ولا يعصينك في معروف ) جامع لكل ما يخبر به النبي A ويأمر به مما يرجع إلى واجبات الإسلام . وفي الحديث عن أم عطية قالت : كان من ذلك : أن لا ننوح . قالت : فقلت يا رسول الله إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بد أن أسعدهم . فقال رسول الله A إلا آل فلان وهذه رخصة خاصة بأم عطية وبمن سمتهم . وفي يوم معين